كأس الحمام فى هذه الحرب ، واتفق أن حمل جميع جند الغورى على العثمانيين كأنهم بلاء أسود وكأنهم قضاء مبرم ، ودخل بينهم جند العثمانيين بكل أسلحتهم وأطلق الإنكشارية البنادق من ناحيتهم وبقوا فى نار النمرود ، فألقت المدافع ثلاثمائة وستين قذيفة فاسودّت السماء والأرض بالبارود ، ورأوا أن جند الغورى تقهقروا وقيل إنها خدعة منهم.
ورأوا أن قرار الجراكسة تبدّل فرارا ، وأصبح سهل بلبيس كحديقة للزهر الأحمر مما جرى فيه من دماء ، وإلى وقت الغروب كانوا كقصّاب يعود إلى كبشه وجعلوا يتلون آيات الذكر الحكيم ويدهم وسيفهم ملطخ بالدماء وهم عراة الأجسام ، ومضوا إلى مقر سليم ونالوا منه العطاء ، وظل غزاة المسلمين فى مواضعهم مطمئنين وقالوا لسليم : لنحاصر مصر ولنغادر هذا المكان ، إلا أن خيرة بك لم يقبل منهم ذلك وقال :
يا مولاى السلطان إن الجند الآن متعبون ، لقد ألحقوا الهزيمة بالعدو مرتين ، لا شك أن فتنة تثور فى قلوبهم ، وبذلك ثنى سليما عن عزم الحملة على مصر ؛ واستراح عسكر الإسلام فى بلبيس ثلاثة أيام وشاء الله أن فى هذا اليوم من أيام الحرب مات الغورى فى جانب من ذلك السهل على سجادة وهو متوجه إلى القبلة. وقطع عنقه أحد الجراكسة كى لا يكون ذلك بيد عثمانى ولف جثته فى سجادة ومضى بها إلى السلطان سليم واستقدم خيرة بك الجراكسة فقالوا : إنها جثة الغورى ، ولم يتعرف عليه بعضهم لأن الجثة كانت بلا رأس ؛ فقالوا : إنها ليست جثته.
ولكن بعد مرور سبعة عشر عاما أوصى معلم مكتب فى بلبيس بأن يكتب على قبره «أنا الغورى» ، وأدركه الموت والخاتم الذى فى إصبعه وجرح السيف فى ذراعه يثبتان أنه الغورى. وجملة القول أن الغورى فقد فى معركة بلبيس هذه. وقال خيرة بك فى الجند إنه بلا رأس ولا عنق وآخر الأمر ولوّ العرش ابنه السلطان محمد إلا أن البعض لم يقر ذلك ، وقالوا : إذا ولينا فتى غريرا ناقص التجربة مثله فماذا تكون عاقبة الأمر؟ وماذا يستطيع أن يفعله تجاه العثمانيين يجدر بنا أن نختار طومان باى خليفة. هذا ما قالوه. ودارت الحرب بينهم شهرا فى مصر وكان النصر لأنصار طومان باى واستخلف طومان