وامتطى صهوته سليم دون أن يكون له لجام ، وصهل واشتد عدوه وبلغ بالسلطان الصالحية واعتلى كومة من القمامة وجعل يصهل إلى حد لم يطق سليم صهيله ، فنزل عنه وظهر له نعش حجرى كبير فكفّ البرزون عن الصهيل كأنما أتم خدمته ومضى نحو سليم وظل صامتا ولسان حاله يقول هذا قبر محيى الدين فنظر سليم فى النعش الحجرى ، فإذا به كتابة بالخط الكوفى هذا قبر محيى الدين.
وفى قديم الزمان لم يدرك المنكرون مزايا مؤلفات الصوفية فكفروه وكوموا على قبره مزبلة من تراب المذلة ، فظل قبره مجهولا ، فجمع السلطان سليم فى الحال كل ما استطاع سبيلا إلى جمعه من المعماريين والبنائين ولكى يشرف بخدمة الشيخ حمل بنفسه ما فى المزبلة من أحجار كما حملها جميع جنده ، وفى طرفة عين طهروها وبناء على ما سلف ذكره ورآه سليم فى منامه أقام خانات مغطاة بالرصاص وجامعا ومبرّة ومدرسة ومكتبا للصبيان وضريحا ومحكمة ودار ضيافة ومستشفى على نحو ما ذكر تفصيلا فى وصف دمشق. وبينما كان السلطان سليم فى مشتاه فى دمشق اشتغل بعلم الجفر وأنس بمن لهم علم به ، وفى حديث له معهم ذات يوم سأل الشيخ ناصر الطرسوسى قائلا :
أيتيسر لى فتح مصر؟ فأجابه الشيخ الطرسوسى قائلا : بشراك يا مولاى .. لقد شهد الإمام على ـ كرم الله وجهه ـ أنك سوف تملك مصر فقد قال : لا بد من سليم آل عثمان يملك الروم والعجم ثم يملك جزيرة العرب .. وهو يقصد بجزيرة العرب جزيرة مصر بكلامه الذى كالدر النفيس. ومصر تسمى جزيرة لأن أحد ملوك القبابطة وهو طوطيس أجرى مياه النيل إلى بحر السويس فأصبحت مصر جزيرة. ولذلك تسمى مصر الجزيرة ، وإن شاء الله سوف تفتح مصر بناء على كلام علىّ ـ كرّم الله وجهه ـ وستكون أول خادم للحرمين الشريفين من آل عثمان ، وبهذا بشره ناصر الطرسوسى بفتح مصر ، كما أن عالما قال : إن القرآن أعلن أنك ستفتح مصر ، وهذا ما استنتجه الإمام علىّ ـ كرم الله وجهه ـ وبلغه للإمام الحسين فبلغه الإمام الحسين إلى زين العابدين ، وبعد ذلك بلغه إلى السرى السقطى ، ومنه إلى الجنيّد ، وإن كلام القرآن الكريم له الدوام إلى يوم القيامة.