أخذ العجب مأخذه من السلطان سليم ، والآن يطير الحمام من ميناء إلى آخر فى مصر حاملا الرسائل. ثم حشد سليم جنده وعدته وعتاده وكان تفقده لهم يوما بعد يوم.
فى بيان قبر محيى الدين بن عربى
واقتضت حكمة الله أن كان السلطان سليم فى مشتاه فى دمشق وبينما كان يتصفح كتابا مع كمال باشا زاده وجد فى رسائل محيى الدين بن عربى عبارة (إذا جاء السين دخل الشين ظهر بمرقد الميم) وهذه عبارة ألفاظها من الدرر والمقصود بالسين السلطان سليم ودخول الشين بمعنى دخوله الشام أى دمشق ، والمقصود بالظهور بمرقد الميم هو ظهور قبر محيى الدين بن عربى ، هذا ما استنتجاه من العبارة.
وأنكر سليم أن تكون هذه الرموز بحساب الجفر (١) ، ومضى فى الحال إلى زيارة محيى الدين بن عربى ، وقال لنكشف عن قبره ليبدو للعيان فسأل ذوى السن من رجال دمشق إلا أنهم لم يقتدروا على أن يوردوا خبرا فى ذلك. وقال بعضهم : يفهم من هذه الرموز أن قبره فى أطراف دمشق ولما كان قبره غير معلوم حزن السلطان سليم حزنا لا مزيد عليه ، وفى تلك الليلة رأى فى منامه أن محيى الدين بن عربى قدم عليه وقال له : كنت فى انتظار مجيئك إلى الشام ، مرحبا بك لقد تيسر لك فتح مصر وأنا أزف إليك البشرى بذلك ، فامتط صهوة فرس أسود فى الصّباح وابحث عنى وارفع عنى تراب المذّلة وأقم لى ضريحا فى الصالحية ومقاما وجامعا ومبرّة ومدرسة ومكتب صبيان وحماما وتكية ومحكمة وبيت للحاكم وأسواقا صغيرة ونبعا ، وأجلب الماء فى جداول وعمّر الصالحية فامض فإن الله يسّر لك.
وهبّ سليم من نومه وطلب أن يسرج له فرسا أسود سريع العدو ولكن قيل له ليس فى الحظيرة فرس أسود ، فقال : يجب أن تبحثوا وتجدوا هذا الفرس ، وألح فى طلبه ، وأخيرا وجدوا برزون جموح أجرب فالتف حوله الخدم وروضوه ليكّن ثم أسرجوه.
__________________
(١) الجفر : علم يبحث فيه عن الحروف من حيث دلالتها على أحداث العالم.