«ذكر مجىء الأمير سليم من بغداد إلى الكعبة
فى أول سياحة له
ثم مضى سليم مع حجاج بغداد إلى الكعبة فى سبعة عشر يوما ، وحج البيت الشريف ، كما قبل يد كبار أولياء الله الذين على قيد الحياة هناك ، ودعوا الله له بالخير ، ثم تابع زياراته فمضى إلى المدينة المنورة ، فى معية حجاج مصر ، ثم زار قبر الرسول صلىاللهعليهوسلم وتضرع لرسول الله متعلقا بسياج قبره ، وصاح صيحة عالية وهو يقول : لقد انشقت مرارتنا يا رسول الله ، رفعنا من شأن شرف الإسلام ويا له من شرف ولكن شراكسة مصر الكفرة أضروا به ، علىّ عهد الله إذا توليت ويسر لى أمرى وفتحت لى مصر فسوف أوقفها عليك وأجعلها مخزنا لأطعمة الحجاز ، وسأرسل إلى أمتك منها فى كل عام الكسوة والصرة ، وجعل سليم يردد هذا من قوله سبع مرات منتحبا : وإذا ما دعانى معدم بجوار ضريحك مستغيثا بى قائلا : يا سليم. كنت كفيلا به مغيثا له. وأشار إلى أنه سوف يقيم العدل فى الرعية ويبسط رعايته على علماء مصر ، ثم حمد الله وأثنى عليه. وقدم سليم مصر مع فوج من حجاجها وبلغها بعد أربعين يوما ، ونزل ضيفا على تكية الميمندى فى القرافة الكبرى وفى هذا الوقت وصل أسبابه بأسباب الشيخ أبو السعود الجارحى والشيخ مرزوق كفافى ؛ فقرأ عليهمالسلام فرّد الشيخ أبو السعود الجارحى قائلا : وعليكم السلام يا صاحب رسول الله ويا حاكم الحرمين الشريفين ، ويا حاكم مصر سلامتك سلامتك ، عجّل بالرحيل إلى بلاد الترك.
وكان ذلك بالمكاشفة وعرف ذلك الشيخ مرزوق كفافى بالوسيلة نفسها ، وكان يجيد اللغة التركية ، وقال له : امض سريعا إلى بلاد الترك واعتل عرش الدولة ثم انطلق إلى العجم وبعد ذلك حينما ندعوك تعال ، ولكن لا تبق فى مصر. لقد أخرجونا مع كبار أولياء الله من مصر ، ولكن ما رأيناه فى مصر من فسق وفجور وعصيان فى اثنى عشر يوما لم نجده فى بلد آخر ، ففى تلك الفترة من الزمن أقام السلطان الغورى قناطر مياه القاهرة وعسف الناس عسفا شديدا وأمر العلماء بحمل الأحجار ، ولم تكن له سيطرة على جنوده ، وقد رأينا من هؤلاء الجنود الظلم والعدوان.