الفرنسيين رنان والدوق دولوين ودوسلسي ودوفوكوين وكلرمون غانو ودوسو وفانزان وغيران ، ومن الإنكليز روبنسون ومادن وسايس وويلسون وفارين ، ومن الألمان أوتوتينيوس ، ومن السويسريين ماكس فان برشيم. وأهم الأمكنة التي نقبوا فيها هي تل الحسي وتل زكريا وتل الصافي وتل الجديدة وتل الجزر وتل تعناك وتل المتسلم وعكا ويافا والقدس وصيدا وصور وجبيل وعمريت وجزيرة أرواد وبعلبك إلى عدة أصقاع في الشام الشمالية.
وبينا هذه البعثات مجدة في عملها ، كانت الدولة العثمانية في سبات عميق مكتفية بمراقبة هذه البعثات لاقتسام الغنيمة وإيداعها متحف الاستانة الوحيد. ولم تفكر بعمل حفريات قط ، كما أنها كانت تأبى إنشاء فروع لمتحفها في الشام أو في غيرها من السلطنة العثمانية ، وحجتها في ذلك أن الآثار إذا جمعت في مركز واحد ، وضم بعضها إلى بعض نتجت من ذلك فوائد علمية وعملية لا ترجى من تعدد دور الآثار ، وذلك أسوة بمتاحف أكثر الأمم الغربية ، وعملا برأي أكثر علماء الآثار. ولكنها تجاهلت بأن ما يصلح لأرض لها وحدة تاريخية لا يعمل به في أرض ضمت تحت لوائها شعوبا مختلفة ومدنيات متباينة كالامبراطورية العثمانية.
ولذلك كان جل اهتمام الدولة العثمانية مصروفا إلى إنماء متحف الاستانة فأهملت أمر الآثار القديمة في ديارها ، ولم تعهد إلى أناس يتعهدونها أو يراقبون سيرها ، فدرس كثير من البنايات الأثرية البديعة ، وأقبل الأهلون في كل ناحية ينقبون عن الآثار القديمة بغية الاتجار بها. فأصبحت هذه التجارة ذات شأن في القطر ، وغصت متاحف أوربا بآثار الشام ، واقتنى غواة العاديات الأجانب كثيرا منها. وبهذه الصورة وبفضل الامتيازات الأجنبية تمكنت كل من الجامعة الأميركية والكلية اليسوعية في بيروت وغيرهما من المعاهد من إنشاء متحف خاص ، وجمع الدكتور فورد في صيدا ، وغيره في حلب من الأجانب مجاميع مهمة من آثار الشام. ولم يعرف من الشاميين من اشتهر بجمع الآثار ، القديمة وكانوا لا يعبأون بها ، ولا يقيمون لها وزنا. ومن كان منهم يملك طرفة أو أثرا يتنازل عنها مقابل دريهمات معدودة ، حتى تجردت أكثر البيوت والأسر من نفائسها.