ترتجيه. وكلما ضعف الوازع الديني في القوم ، وهاجمتهم عادات الغربيين ، انحلوا من عهدة الوفاء والكرم ، ولذلك ترى الأوفياء والكرماء بعيدين إلا قليلا عن المناطق التي اختلطت بالغريب على سواحل البحر ، وأخذت من معارفه ، وتخلقت بأخلاقه ، واعتادت عاداته.
ومنذ شاع الكذب والحسد في الشاميين ، ضعفت مادة حياتهم من التجارة والصناعة ، وكادت ثقة الغرب ترتفع منهم ، وإذا كتب لهم أن عاشوا في الجملة اليوم فبفضل الأسس القديمة التي قام عليها مجتمعهم وجامعتهم ، وبفضل نشاطهم في مهاجرهم حيث رأوا أنفسهم أمام جاليات كثيرة من الأمم اضطرتهم الحال معها أن يظهروا بمظهر الأمانة ليعتاشوا ويرتاشوا. أما التحاسد والمشاغبة فلم تنقطع شأفتهما فيهم حتى في ديار الغربة ، وربما زادهم على ما كانوا ألفوه منها ما رأوه في مهاجرهم عند الأمم الأخرى فاقتبسوه وأضافوه إلى رؤوس أموالهم. وربما بلغت الجالية الشامية نحو ألف ألف نسمة أي نحو سبع سكان القطر ، فما أمرهم باليسير إذا حتى لا يشار إليهم بجملة ، لأنهم على الأقل يمثلون صورة من أهل القطر في الخارج ، والأجانب لا يعرفون إلا أنها صحيحة مطابقة للأصل ، أو أنهم من أمثل طبقات الشعب. ولو تفرقوا في الأرجاء التي ينزلونها ، كما تفرقت قلوبهم في موطنهم الأصلي ، لكان لزاما أن يؤثر ذلك في أخلاقهم وعاداتهم ، ولكنك تراهم في مهاجرهم يجتمعون أهل كل إقليم بإقليمه على الأكثر ، وقد لا تختلط لفائفهم بسكان الديار التي ينزلونها إلا كما يختلط الشامي بالمصري إذا نزل مصر ، يختلط به ليربح منه ويحتفظ بشاميته وتقاليده بعد جيلين وثلاثة وأحيانا بعد أربعة وخمسة.
عادات القبائل وأخلاقها :
ثمن أو سبع أهل القطر الشامي اليوم أي نحو خمسمائة ألف نسمة بادية أو قبائل رحالة ، ويقال لهم في الاصطلاح : العرب أو العربان ، تصطاف في مكان وتشتو في آخر ، وقلّ من يألف منهم سكنى الدور ، وبيوتهم من الخيام والمضارب تنسج من شعر المعزى ، يعمدونها بعمد ويشدونها بأطناب ،