والطرف ، ونقلت بعض ما عثر عليه من المصانع في خرائب صيدا وتدمر وغيرها فزينت بها متحف الاستانة. وقد ندب بعض علماء الآثار من الإنكليز وحفروا بطرق عجيبة مغارة الصخرة في المسجد الأقصى فذهب ما فيها ولم يعلم عنه شيء.
وكم من بعثة أثرية قامت بحفريات وأخذت ما عثرت عليه ولم تأخذ الدولة العثمانية حقها منه ولسان حال الباحثين ما ورد في الأمثال العربية «لا يحزنك دم ضيعه أهله». وقد طلب منها في مؤتمر الصلح بباريز إعادة ما أخذته هي وألمانيا خلال الحرب العامة من هذه الديار من الآثار. وفي ذلك برهان على مكانة العاديات في نظر الغربيين.
ولقد كنا نزين للحكومة التركية منذ ست وأربعين سنة أن تنشئ لدمشق متحفا صغيرا تجعل فيه العاديات وبدائع الصنائع ، فكان عمالها يتشاغلون عن ذلك لأنهم يحبون أن يكون كل فضل في الاستانة ، وأن تكون سائر الولايات قرى ومزارع للاستعمار على طريقتهم ، حتى إذا نادت سورية بالحكومة العربية صحت عزيمة هذه على إنشاء متحف فاتخذت له سنة (١٣٣٧ ه ـ ١٩١٩ م) دار المدرسة العادلية من أجمل قصور الفيحاء ، وأخذت تجمع بعناية المجمع العلمي ما بقي من الآثار النفيسة. فهو أول متحف عربي في هذه الديار، سار القائمون به على قدم الغربيين في نظامه ، ثم بني له بناء خاص في غربي المدينة في المرج الأخضر واغتنى في أسرع مدة غنى يغبط عليه بما اكتشف المنقبون عن العاديات من علماء الغرب.
حياة المتحف العربي بمعاضدة الأمة له. ولم يقصر بعض من لديهم مثل هذه التحف والطرف في إهدائها لتجعل في دار آثار الأمة عنوان ارتقائها ونموذجا على معرفتها بتاريخها. لا جرم أن هذا المتحف هو البذرة الأولى التي ألقيت في هذه التربة المخصبة المهيأة لأنواع النماء والإثراء يستفيد منه أهل الأجيال الخالفة ما يغني غناءه في تربية عقولهم وعيونهم وأناملهم ويعتبرون بماضي الصناعة عند الأقدمين ، وما كان لأجدادنا من الأيادي البيضاء في الفنون الجميلة بين المحدثين.