أطاف بغيّه فنهيت عنها |
|
وقلت له أرى أمرا شنيعا |
أردت رشاده جهدي فلمّا |
|
أبى وعصى أتيناها جميعا |
وممّا يستملح من كلام بعضهم : يستحب من الخريف الخصب ، ومن الربيع الزهر ، ومن الجارية الملاحة ، ومن الغلام الكيس ، ومن الصاحب الرفق ، ومن القريب الانبساط ، ومن الغريب الانقباض.
وقيل : لا شيء أسوأ لصحبة الأحرار من هتك أعراضهم ، فإن الحرّ لا يرضيه عن عرضه شيء.
وعلى ذلك يحكى : أنّه كان للفضل بن يحيى كاتب نافذ في صناعته ، فبينما الفضل يوما قد خلا به في بيت يملي عليه كتابا ويخفض صوته ، فاحتاج الكاتب أن يستفهمه ما يخفى عليه من كلامه فاستعاده حرفين ، فشق ذلك على الفضل ، فقال للكاتب : كم تستعيدني يا بيطار؟ وكان الفضل صلفا تيّاها بنفسه. فلما قال للكاتب هذا القول ألقى قلمه في دواته وأطبقها وقال للفضل : بهذا تعاشر الأحرار ، وهذا ما كنت أرجو منك؟ فندم الفضل على ما كان منه وقال له : عد إلى كتابك. فحلف الكاتب بأغلظ الأيمان لا يكتب له أبدا ، فقلق الفضل من ذلك ، ودار بينهما كلام كثير ، وتأدّى الخبر إلى يحيى بن خالد ، فركب من ساعته حمارا مصريا كان يركبه من داره إلى دار ولده. فما شعر الفضل إلّا أن هجم عليه. فلما رأى أباه قام وقعد يحيى في الصدر ، وجلس الفضل ، ثم أمر الكاتب أن يجلس وقال : فبماذا أنتم؟ فقال الفضل : كنت أملي عليه كتابا ، قال : بلغني الخبر ، وصدق الرجل. فإنّ الملوك لا يخدمون إلّا للاعتزاز بهم ، فإذا أسمعت كاتبك مثل هذا الكلام وأوغرت صدره فبماذا تجتلب نصحه؟ ثم أقبل على الكاتب وقال : قد أعفيناك مما كرهت ، وأمرنا لك بمائة ألف درهم. فاختلف إلينا لنشغلك في بعض الأعمال التي تصلح لها.
بعضهم (١) :
إن كنت تبغي العلم أو أهله |
|
وشاهدا يخبر عن غائب |
__________________
(١) البيتان في العقد الفريد ٢ / ٣١١ من دون عزو ، وفي روايتهما اختلاف.