وجدت بها ما يملأ العين قرّة |
|
ويسلي عن الأوطان كلّ غريب |
ولكن إذا عنّ التذكار أذكى لواعج الهموم والأفكار (فنباري تلك الحمائم شجونا ونجاري تلك الغمائم شؤونا) (١) :
وحنيني إذا تصدّى لنفسي |
|
صدّ لهوي عن ارتياد ارتياحي |
علّم الورق حزنها فهي في الأوراق |
|
تتلوه في نواح النّواح |
لا يردّ الجوى اغتباط اغتباق |
|
من حنيني ولا اصطبار اصطباح |
فتنهّل غمائم الغموم ، وتهمى سحائب الهوم ، وينكدر من العيش ما صفا ، وأنشد (٢) (كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا) (٣).
وما سمعت الحمام في فنن |
|
إلّا وخلت الحمام فاجاني |
ما اعتضت مذ غبت عنهم بدلا |
|
حاشا وكلّا ما الغدر من شاني |
كيف سلوّي أرضا نعمت بها |
|
أم كيف أنسى أهلي وجيراني |
وكانت إقامتنا بهذا البندر ثلاثة أشهر إلّا عشرة أيام ، وذلك مدّة ذهاب البشير إلى الوالد وعوده. فخرجنا منه يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من صفر سنة ثمان وستين وألف. ولا حاجة بنا إلى إثبات أسامي المنازل التي أتينا عليها في طريقنا هذا لاستعجامها واستبهامها. وما يتعلّق به الغرض نذكره إن شاء الله تعالى.
فسرنا ثلاثة أيام في أرض تباهي زهر السماء بأزهارها ، ومجرّتها بأنهارها ونورها بنورها ، وسحابها برحابها. لا يمتدّ الناظر إلّا إلى يانع ناضر ، ولا تقع العين إلّا على نهر وعين.
__________________
(١) وردت الجملة التي بين القوسين في (ك) منظومة هكذا :
فنجاري تلك الغمام شؤونا |
|
ونباري تلك الحمام شجونا |
(٢) في ك (وأنشده وأندبه في النشيد).
(٣) صدر بيت من قصيدة لمضاض بن عمرو بن الحارث ، وتمامة (أنيس ولم يسمر بمكة سامر). القصيدة وترجمة الشاعر في الأغاني ١٥ / ١٢ ـ ٢٣).