ومن شعره الذي تناقلته الركبان قوله :
يلقى النّدى برقيق وجه مسفر |
|
فإذا التقى الجمعان عاد صفيقا |
رحب المنازل ما أقام فإن سرى |
|
في جحفل ترك الفضاء مضيقا |
رجع : وما زلنا راتعين بين تلك الرياض الوريفة ، مرتبعين من ذلك خصبه وريفه ، والربيع قد خلع على الأرض أثوابه ، وفتح من الأنس للزائر أبوابه ، فتجلّى الروض بوجه وسيم ، وصحّ الهوى واعتلّ النسيم ، والرياض مفتّرة المباسم ، والرياح معطّرة النواسم ، والغصون قدود ، والورد خدود ، والزهر مبلول ، والنهر حسام مسلول.
نهر يهيم بحسنه من لم يهم |
|
ويجيد فيه الشّعر من لم يشعر |
فكأنّه وكأنّ خضرة شطّه |
|
سيف يسلّ على بساط أخضر |
وكم من روضة تختال في خلع الغمام ، وترتاح أغصانها إلى سجع الحمام ، قد التحفت حللا محضّرة ، وجعلت نوّارها للبدر غرّة وللشمس طرّة.
وحديقة مطلولة باكرتها |
|
والشمس ترشف ريق أزهار الرّبى (١) |
يتكسّر الماء الزّلال على الحصى |
|
فإذا غدا بين الرّياض تشعّبا |
فاستقبلنا العيش في هذا القطر جديدا ، وحلّينا منه للزمان جيدا ، نتبع اليوم بالأمس ، ونلحق البدر بالشمس ، ونحن في أمان من أخوان الزمان.
لا تبعدنّ وإن طال الغرام بها |
|
أيام لهو عهدناها وليلات |
ما أمكنت دولة الأفراح مقبلة |
|
فانعم ولذّ فإنّ العيش تارات |
قبل ارتجاع اللّيالي كلّ عارية |
|
فإنّما لذّ الدّنيا إعارات |
خذ ما تيسّر واترك ما وعدت به |
|
فعل الأديب وفي التّأخير آفات |
هذا ولولا ما يعتنّ بالبال لتذكّر الوطن من البلبال لأنشدت في هذه القرية قول القائل من غير فرية :
__________________
(١) نسب المؤلف هذين البيتين في كتابه أنوار الربيع ٢ / ٥٤ إلى بدر الدين يوسف الذهبي المتوفي سنة ٦٨٠ ه (الأعلام ٩ / ٣٢٥).