ذهب حيثما ذهبنا ودرّ |
|
حيث درنا وفضّة في الفضاء (١) |
حيث انتهينا إلى عقبة يسفّ عن مرتقاها العقاب ، ويخفّ عند ارتقاء ذراها أشدّ العقاب. لا مطمع لراق فيها إلّا على قدمه ، ولو أفضى إلى إراقة دمه. فأنخنا تحتها ليلة ، وكلّ قد شمرّ لصعودها ذيله ، فما إنجاب الليل إلّا وارتقيناها كانحدار السيل ، فاقتعدنا مع الشمس ذروتها ، وامتطينا صهوتها ، ورأينا فيها من سيول الماء ، وعيون موادها غيوث السماء ، ما لا انصبابها دويّ كالرعد القاصف ، أو الرياح العواصف ، وشاهدنا منها ما يخالف العادات ، وتفتقر رواته إلى الشهادات. فإن نفس قلّتها أرض متساوية الطول والعرض تمتد إلى جميع تلك الأقطار ، ولا يحتاج معها إلى هبوط وانحدار. فسبحان المتفرّد بالاقتدار. وكانت هذه البقعة منقطع أعمال (كوكن) ومبتدأ أعمال (الدكن). فألفينا الربيع قد قشع عن هذا القطر سحابه ، والشتاء عمّ شعابه ورحابه. فسرنا وقد أرجف بان المسالك شاغرة ، وأمراء هذا الملك متشاجرة ، وذلك لموت ملكهم وقيام ابنه مقامه ، فاستحوذ كلّ على ما تحت يده ، واستبدّ بعدّته وعدده ، فاستقبلوا ادبارا (وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً)(٢). ولم نزل نبثّ العيون في تلك الأقطار لتجنب مقاحم الأخطار ، وإن كان معنا من العسكر عدد ، إلّا أنّه لا يفي للقيام إلى أمير يدعي الملك بمدد.
ورأينا في بعض المنازل فيلا لبعض العمال ولم نكن نراه قبل ذلك ، فعجبنا من عجيب خلقته ، وغريب صورته ، وعظيم جثته ، فسبحان مبدع العالم باقتداره ، ومدبر الأشياء على مشيئته واختياره. والعرب تكني الفيل أبا الحجاج ، وأبا مزاحم ، وأبا الحرمان ، والفيلة : أمّ شبل. قال بعضهم ملغزا فيه :
ما اسم شيء تركيبه من ثلاث |
|
هو ذو أربع تعالى الإله (٣) |
__________________
(١) ورد البيت في رسالة لعبد الصمد بن علي الطبري من شعراء دمية القصر للباخرزي.
تراجع الدمية (طبعة حلب) ص / ٢١٣ ـ ٢١٥).
(٢) سورة نوح / ٧.
(٣) في ك (أيّ شيء).