الطاعة فلم يستحق منه الإجابة. ويزعمون أنّ الأرواح إذا فارقت الأجسام اجتمعت لديه على مذهب أهل التناسخ وينشئها فيمن شاء. وأن مدّ البحر وجزره عبادة له على قدر طاعته. وكانوا بحكم هذا الاعتقاد يحجّونه من كلّ صقع بعيد ، ويأتونه من كلّ فجّ عميق ، ويتحفونه بكلّ مال نفيس. ولم يبق في بلاد الهند والسند ـ على تباعد أقطارها ، وتفاوت أديانها ـ ملك ولا سوقة إلّا وقد تقرّب إلى هذا الصنم بما عزّ عليه من أمواله وذخائره ، حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية في تلك البقاع ، وامتلأت خزائنه من أصناف الأموال. وفي خدمته من البراهمة ألف رجل يخدمونه وثلثمائة رجل يحلقون رؤوس حجاجه ولحاهم عند الورود عليه ، وثلثمائة رجل وخمسمائة امرأة يغنون ويرقصون عند بابه ، ويجرى من الأوقاف المصدرة له لكل طائفة من هؤلاء رزق معلوم.
وكان بين المسلمين وبين القلعة التي فيها الصنم مسيرة شهر في مفازة موصوفة بقلة الماء وصعوبة المسالك واستيلائهم على طرقها. وسار إليها السلطان محمود في ثلاثين ألف فارس سوى الرجّالة والمتطوعة مختارا لهم من عدد كثير ، وأنفق عليهم من الأموال ما لا يحصى ، فلمّا وصلوا إلى القلعة وجدوها حصنا منيفا ففتحوها في ثلاثة أيّام ، ودخلوا بيت الصنم وحوله أصنام الذهب ، والمرصّع بالجواهر عدّة كثيرة محيطة بعرشه ، يزعمون أنّها الملائكة. فأحرق المسلمون الصنم فوجدوا في أذنه نيفا وثلاثين حلقة ، فسألهم السلطان محمود عن معنى ذلك فقالوا : كل حلقة عبادة ألف سنة ، فكلما عبدوه ألف سنة علّقوا في أذنه حلقة. وقد ذكر المؤرخون من أخبار هذا الصنم شيئا اقتصر بعضهم على هذا المقدار وفيه الكفاية.
وأسلم في هذه الوقعة نحو عشرين ألفا ، وقتل من الكفار نحو خمسين ألفا. وكان السلطان محمود قد استصفى نواحي الهند إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية ، ولم تتل به قطّ آية ، ووقائعه وحروبه مذكورة في تاريخ أبي نصر العتبي (١) الذي ألّفه للسلطان المذكور. وسنذكر من أخبار الهند جملا فيما
__________________
(١) هو أبو نصر محمد بن عبد الجبار العتبي المتوفى سنة ٤٢٧ ه وقيل غير ذلك (معجم