كثير شعر الرأس سبطه ، وبإحدى يديه ثعبان عظيم فاغر فاه ، وبالأخرى عصا ، وبالثالثة رأس ، واليد الرابعة قد رفعها. وفي أذنيه حبّتان كالقرطين وعلى جسده ثعبانان عظيمان قد التفّا عليه ، وعلى رأسه اكليل من عظام القحف ، وعليه من ذلك قلادة. يزعمون أنه عفريت يستحق العبادة لعظم قدره ، واستحقاقه الخصال المحمودة المحبوبة ، والمذمومة ، من الإعطاء والمنع ، والإحسان والإساءة ، وإنه المفزع لهم في حاجاتهم. وله بيوت عظام بأرض الهند يعتفيها أهل ملته في كلّ يوم ثلاث مرات يسجدون له ويطوفون به. ولهم بموضع آخر صنم يقال له صنم المعبود ، عظيم على صورة هذا الصنم ، يأتونه من كلّ موضع ، ويسجدون له هناك ، ويطلبون حاجات الدنيا ، حتى أن الرجل يقول له فيما يسأل : زوّجني فلانة ، واعطني كذا ، ومنهم من يأتيه يقيم عنده الأيام والليالي لا يذوق شيئا يتضرع إليه ويسأله الحاجة ، حتى ربما يتفق هذا. انتهى.
والهنود أقسام مختلفون ، وأصناف متباينون ، لكلّ فرقة مذهب ومعتقد عدا ما للأخرى ، يعرف ذلك من دخل بلادهم وشاهد عباداتهم.
لقد طفت في تلك المعاهد كلّها |
|
وسيّرت طرفي بين تلك المعالم (١) |
فلم أر إلّا واضعا كفّ حائر |
|
على ذقن أو قارعا سنّ نادم |
وذكر جماعة من أرباب التواريخ : أن السلطان محمود بن ناصر الدولة (٢) لمّا فتح بلاد الهند في سنة عشر وأربعمائة كتب كتابا إلى بغداد يذكر ما فتح الله على يديه من بلاد الهند ، وأنه كسر الصنم المشهور بسومنات ، وذكر في كتابه أنّ هذا الصنم عند الهنود يحيي ويميت ويفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ويبرئ ، وربّما كان يتّفق ـ لشقوتهم ـ برء عليل يقصده فيوافقه طيب الهواء ، وكثرة الحركة فيزيدون به افتتانا ، ويقصدونه من أقاصي البلاد رجالا ، وركبانا. ومن لم يصادف منهم انتعاشا احتجّ بالذنب وقال : أنه لم يخلص له
__________________
(١) البيتان في وفيات الأعيان ١ / ٤٢٣ منسوبان للرئيس أبي علي بن سينا (الحسين بن عبد الله) المتوفى سنة ٤٢٨ ه (معجم المؤلفين ٤ / ٢٠ ، و ١٣ / ٣٨٢).
(٢) هو السلطان الغزنوي محمود بن سبكتكين المتوفى سنة ٤٢١ ه (الأعلام ٨ / ٤٧).