إذا (قيس) (١) به الشعر حلقه واستغنى فاعل ذلك عن النورة ، والحلق بالمواسي ، فدعوا برجل على ساعده شعر كثير فأمرّوا الحجر على شعره فلم يبق على ساعدة شعرة واحدة ، ففرح المتوكل ، وأمر بالخادم أن يبذرق إلى بلاد الروم. فقال الخادم : أمّا إذا وفى لي سيدي بالبذرقة فإنّ هذا الحجر يحتاج أن يطرح كل سنة عند طلوع الشعرى العبور (٢) في دم تيس حار. فبذرقوا بالخادم ، فلما وصل ، وطلعت الشعرى العبور ووقد الهجير طرحوه في الدم فبطل عمله.
فكان حلق هذا الحجر الشعر من العضو الذي عليه ، وجذبه إلى نفسه حتى ينفصل عنه ، ويلتصق به لمشاكلة طبيعيّة ، وذهاب ذلك بدم التيس لشدّة المنافرة والمغايرة ، ومثل هذا كثير.
ورأينا بهذا البندر معبدا عظيما لله نود فيه أصنام من ذهب وفضة مصوّرة على صورة الإنسان وصور الحيّات ، وقد صوّر حولها من الصخر المنحوت أصنام كثيرة ، فمنها صور بقر ، وصور رجال ونساء. وهذا المعبد بين عظيم منحوت كله من الصخر الأسود تقصده كفرة الهنود من الآفاق وتنذر له النذور ، ورأيناهم يسجدون للأصنام التي فيه ، والسرج فيه ليلا ونهارا لا تطفأ ، وله خدم وحجّاب وأتباع. وبجنبه نهر عظيم يخرّ من شاهق في بئر لا يعلم قرارها وهي ملآنة يمرّ الماء عليها بين جبلين عليهما من أنواع الأشجار والأزهار ما يجلّ عن الوصف ، ثم ينصب الماء إلى البحر. وحكى لنا أهل تلك البلاد أنّ بعض الوزراء أراد أن يعلم عمق هذه البئر التي يمرّ عليها هذا النهر ، فأنزل جماعة من الغاصة فلم يخرج منهم أحد ، ولا يعلم ما صاروا إليه ، وكثير من جهلة الهنود يعتقد في هياكلهم هذه القدم ، وأمّا علماؤهم فيزعمون أنّها تقرّبهم إلى الله زلفى.
قال المسعودي : كان كثير من أهل الهند والصين وغيرهم من الطوائف يعتقد أنّ الله عزوجل جسم ، وأنّ الملائكة أجسام ، وأن الله تعالى وملائكته
__________________
(١) (إذا قيس) كذا ورد في الأصول ، والصواب (إذا قسّ ، أو قسّس) للمجهول ، من قس الشيء تتبعه وطلبه ، والصاد لغة فيه. والقسّ (مثلثة) : تتبع الشيء وطلبه كالتقسّس.
(٢) الشعرى العبور : كوكب طلوعه في شدّة الحرّ.