تقضى حاجتك. وكان معن يتولى عمل اليمن للمنصور ، ثم تولاها بعده ابنه زائدة.
قلت : والشيء بالشيء يذكر ، والحديث شجون. قيل : إن المنصور سخط على أحمد بن يزيد السلمي فصرفه عن أرمينية ، وألزمه بيته ، فنمي الخبر إلى معن وهو يتقلّد اليمن ، فكتب إليه :
نمي إليّ يا أمير المؤمنين أن سخطة لحقت أحمد بن يزيد بن أسيد السلمي من أمير المؤمنين ، ولم تزل الملوك تعاقب على أشياء ، وتصفح عن أشياء ، فأمّا الذي تعاقب عليه : فالقدح في الملك ، وإفشاء السرّ ، والتعرّض للحرم. وأمّا الذي تصفح عنه : فاحتجان الأموال ، فإنّ مال الخادم للمخدوم ، في يومه وغده. فإن كان أحمد بن يزيد أتى ما يعاقب عليه الملوك فما ينبغي أن يكون حيّا وإن كان احتجن مالا فأحمد خير لأمير المؤمنين من أرمينية وأموالها. فقال المنصور : أف لكم معاشر الكتّاب ، ذهب عليكم أن تخبروني به حتى تناولني به معن من اليمن ، على لوثة (١) أعرابية. ووجه إلى أحمد بن يزيد فخلع عليه وردّه إلى عمله.
وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه |
|
ولا كلّ مؤت نصحه بلبيب (٢) |
ولكن إذا ما استجمعا عند واحد |
|
فحقّ له من طاعة بنصيب |
ولما امتطينا من السفينة صهاها ، وتلونا (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها)(٣) شاهدنا من هذا البحر الزاخر ، ما أنسينا معه الأول والآخر ، حتى استبان لنا أن ذلك البحر الذي أكبرناه ، وأنكرنا منه ما أنكرناه ، إنّما هو قطرة من ماء ، بالنسبة إلى هذا الدأماء (٤). ولقد سرنا فيه أياما لا نرى سوى الماء تحت
__________________
(١) يريد باللوثة ـ هنا ـ : البطء والتمكث في العمل.
(٢) البيتان لأبي الأسود الدؤلي (ظالم بن عمرو) المتوفى سنة ٦٩ ه (أنباه الرواة ١ / ١٣).
(٣) سورة هود / ٤١.
(٤) الدأماء : البحر.