أبراج البيرة وأسوارها ، وهي مكشوفة من جميع جهاتها ، فجرد الملك السعيد عسكرا إليها ، وقدم عليهم الأمير سابق الدين ، أمير مجلس الناصري ، فحضر الأمراء عنده ، وقالوا له : هذا العسكر الذي جردته لا يمكنه رد العدو ، ونخاف أن يحصل النشب بيننا وبين العدو ، وعسكرنا قليل فيصل العدو إلى حلب ويكون ذلك سببا لخروجنا منها ، فلم يقبل فخرجوا من عنده وهم غضبانون ، وسارع العسكر المسير إلى البيرة من حلب ، فلما وصلوا إلى عمق البيرة صادفوا التتر بجموعهم ، فوقع النشب معهم فتراءت الفئتان فلم يمكن سابق الدين لقاءهم ، فقصد البيرة واتبعه التتر ، وقتلوا من أصحابه جماعة كثيرة ، وما سلم منهم إلا القليل ، وورد الخبر بذلك إلى حلب فجفل أهل حلب إلى جهة القبلة ولم يبق بها إلا القليل من الناس وندم الملك السعيد على مخالفة الأمراء فيما أشاروا به عليه ، وقوي بسبب ذلك غضبهم عليه وقاطعوه وباينوه ، ووقعت بطاقة من البيرة فيها أن طائفة من التتر توجهوا إلى جهة منبج ، وهم على عزم كبس العسكر بحلب ، فانثنى عزم الأمراء عن القبض عليه لئلا يطمع العدو فيهم ، وأخذ يتذلل للأمراء ، ويعتذر إليهم مخالفتهم ، وطلب أن يشيروا عليه بما يعتمده ، فأشاروا عليه بالخروج إلى جهة التتر ، وأن يضرب دهليزه ببابلا وهي شرق حلب ، وأن يكون العسكر حوله ، وأن يجمع إليه العرب والتركمان ، ويكون على أهبة لقائهم فأجابهم إلى ذلك ، وضرب دهليزه ببابلا ، ونزل العسكر حوله ، وأخذ في تجهيز عصّية ، وهو أحد أمراء العرب إلى منبج للكشف ، واستطلاع أخبار العدو ، فوقع التتر عليه وقاتلوه فقتلوه ، وورد الخبر بذلك إلى حلب ، فاشتد خوف الملك السعيد من غائلة هذا الأمر ، وبعد يومين وصل الأمير بدر الدين أزدمر الدوادار العزيزي.
وكان قطز رحمهالله قد رتبه نائبا باللاذقية ، وجبلة ، فقصد خشداشيته بحلب ، فلما قرب منها ركبت العزيزية والناصرية ، والتقوه فأخبرهم أن