ذكر سلطنة الملك الظاهر ركن الدين
بيبرس البندقداري
لما وصل الملك المظفر إلى القصير ، وبينه وبين الصالحية مرحلة واحدة ، ورحل العسكر طالبا الصالحية ، وضرب الدهليز السلطاني بها ، وكان جماعة قد اتفقوا مع الأمير ركن الدين على قتله منهم سيف الدين أنص من غلمان الرومي الصالحي ، وعلم الدين صنغلي وسيف الدين بلبان الهاروني وغيرهم ، وكان الأمير ركن الدين قد طلب من الملك المظفر لما ملك الشام أن يستنيبه بحلب فلم يجبه فأثر ذلك عنده ، واتفق عند القصير أن ثارت أرنب ، فساق الملك المظفر عليها ، وساق هؤلاء المتفقون على قتله معه ، فلما بعدوا ولم يبق معه غيرهم تقدم إليه الأمير ركن الدين وشفع إليه في انسان فأجابه ، فأهوى ليقبل يده وقبض عليها ، وحمل أنص عليه ، وقد أشغل الأمير ركن الدين يده ، وضربه أنص بالسيف ، وحمل الباقون عليه ورموه عن فرسه ورشقوه بالنشاب فقتلوه ، ثم حملوا على العسكر وهم شاهرون سيوفهم حتى وصلوا إلى الدهليز السلطاني ، فنزلوا ودخلوا والأتابك على باب الدهليز ، فأخبروه بما فعلوا ، فقال : من قتله منكم؟ فقال الأمير ركن الدين : أنا ، فقال : ياخوند اجلس في مرتبة السلطنة ، فجلس ، واستدعيت العساكر للحلف ، وكان القاضي برهان الدين قد وصل إلى العسكر ملتقيا للملك المظفر ، فاستدعي وحلف العسكر للملك الظاهر ركن الدين ، واستقرت قدمه في السلطنة وأطاعته العساكر ، ثم ركب وساق في جماعة من أصحابه ، ووصل إلى القلعة ففتحت له ، واستقر ملكه وأحسن إلى الأمير جمال الدين ايدغدي العزيزي ، وكان البلدان قد زينا لمقدم الملك المظفر ، فاستمرت الزينة ، وأحسن إلى خشداشيته البحرية ، وأمر أعيانهم ، وكانت هذه الواقعة في ذي القعدة ، ولما استقر في المملكة نفى الملك المنصور نور الدين علي ابن المعز وأمه وأخاه ناصر الدين قاآن إلى بلد الأشكري ، وكانوا معتقلين بالقلعة.