لي نحيب وبكاء كثير ، ومازلت كذلك إلى حيث وصلت إلى دكاني بسوق بالرماحين وأنا على ذلك في البكاء والنحيب ، وإذا قد جاء شخص يقال له الحاج عبد العزيز ، من أهل دمشق ، وقد جاء من المكان الذي جئت منه ، وقد حصل له حال مثل الحال الذي قد حصل لي ، فقعد كل واحد منا في ناحية ، وأخذ المنديل على وجهه يبكي وينتحب ، قال : فبينا نحن نبكي وإذا بالشيخ محمد الخالدي ـ قدس الله روحه ـ ، قد عبر علينا ، وقال لي : يا مليح لأجل أي شيء تبكي ، الذي رأيت يزول الساعة ، ابعث إليك محمد العطّار يبشرك ، وأنا فما أقدر أقف ، ثم مشى وتركني ، وكان الشيخ محمد مدة مقام التتر بدمشق ليس للشيخ محمد الخالدي شغل سوى أنه يمشي من باب الجابية إلى الباب الشرقي ، قال : فلما كان بعد ساعة وإذا بالحاج محمد العطار قد جاءني وقال لي : الشيخ محمد يبشرك والمسلمين ، ويخبرك أن في أول ليلة جمعة مرت من هذا الشهر وهو رمضان ، اجتمعت أشباح الأنبياء والأولياء جميعهم ، وإبراهيم الخليل ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليهم أجمعين على صخرة بيت المقدس ، وسألوا الله تعالى أن يكشف عن المسلمين ما هم فيه من أمر التتار ، فلم يجبهم فلما كان البارحة ، وهي ليلة الجمعة اجتمعوا ثانية ، وسألوا الله تعالى فأجابهم ، وما يخرج شهر رمضان إلّا وهم مكسورين ، وما تعيّد أنت والمسلمين بدمشق إلا بسلطان جديد مسلم ، قال والدي رحمهالله : فكان الواقع كما قال الشيخ محمد قدس الله روحه.
وفيها فارق الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري الملك الناصر من دمشق مهاجرا إلى مصر إلى خدمة الملك المظفر سيف الدين قطز ، فلما وصل إلى غزة اتفق هو والشهرزورية وتزوج منهم ، وبعث الأمير علاء الدين طيبرس الوزيري إلى الملك المظفر لتحليفه له فأجابه المظفر إلى ما طلبه منه واقترحه عليه ، فسار إليه ودخل القاهرة يوم السبت ثاني