وعشرين ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ، فركب المظفر للقائه وأنزله في دار الوزارة ، واقطعه قصبة قليوب لخاصته ، وأشار عليه بملاقاة التتار ، وقوى جأشه ، وحرك عزائمه ، وحرضه على التوجه للقائهم ، وتكفل له بحصول الظفر من تلقائه ، فخرج يوم الاثنين خامس عشر شعبان بجميع عساكر مصر مع ما انضاف إليهم من العرب وغيرهم لقصد التتار الذي بالشام ، فلما وصل إلى مرج عكا اتصل بكتبغانوين مقدم عسكر التتر بالشام خروج الملك المظفر ، وكان في بلد حمص ، فتوجه إلى الغور ، وبعث الملك المظفر للأمير ركن الدين البندقداري في عسكر ليتجسس خبر التتار ، فلما وقعت عينه عليهم ، كتب إلى الملك المظفر ليعلمه بوصولهم ، ثم انتهز الفرصة في مناوشتهم ليكون له اليد البيضاء عند الإسلام ، فلم يزل يستدرجهم تارة بالإقبال ، وتارة بالإحجام حتى وافى بهم إلى الملك المظفر على عين جالوت ، فكانت الوقعة التي أيد الله بها المسلمين على التتر ، وأخذ بها منهم ثأر أهل الوبر ، والمدر ، وحاق بهم مكر السيف ، وحكم فيهم الحتف بالحيف ، وقتلوهم وأخذوهم ومعهم ملكهم كتبغانوين فقتل وأخذ رأسه ، وأسر ابنه ، وكانت الوقعة بين التتر والمسلمين على عين جالوت ، يوم الجمعة خامس وعشرين من شهر رمضان المعظم ، ووصل الخبر إلى دمشق في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان ، فانهزم تلك الليلة من كان بدمشق من التتار ، وإيل سبان نائب الملك وأتباعه ، وتبعهم الناس وأهل الضياع ينهبونهم ويقتلون من ظفروا به ، فلله الحمد والشكر.
وجرّد الملك المظفر خلف التتر الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري فتبعهم إلى حمص ، وقتل وأسر منهم خلقا كثيرا ، ورجع إلى دمشق ، ودخل السلطان الملك المظفر إلى دمشق يوم الأحد رابع شوال ، فأقام بها إلى أن خرج منها طالبا للديار المصرية ، ووصل إلى دمشق إلى خدمة الملك المظفر الملك الأشرف صاحب حمص ، والملك المنصور صاحب