الناصرية وهو بالاعتقال ، فخرج من الحبس وقصد هولاكو ، وكان عنده شهامة وترسل ، ومعرفة بسائر الألسن ، وهو مقبول الصورة ، وله معرفة بابن كشلو خان ، وكان ابن كلشو خان مع التتر ، وله صورة عندهم ، فلما حضر بدر الدين المذكور عند هولاكو ذكر معرفته ببعلبك وأهلها ، وتكفل بتسهيل ما تعسر منها وكان لبعلبك عند التتر صورة كبيرة لحصانة قلعتها ، ونجدة رجالها ، فكتب له فرمان بولايتها ، واتفق وصوله على ما تقدم ، فتحلل لقدومه معظم العزائم ، ودخل البلد وأمر ، ونهى ، وأنس به الناس لقديم المعرفة وتمسك بالعصيان شجاع الدين إبراهيم والي القلعة ، ومن عنده من المستخدمين ، وقريب نصف أهل البلد ، وقد كان كتب شجاع الدين إلى الملك الناصر رحمهالله يعرفه صورة الحال ، واستأذنه فيما يفعل وسير الكتاب مع شخص يعرف بالمقرىء إبراهيم ، فوجده ببركة زيزاء فأعطاه المطالعة فقرأها وقال : داروا عن أنفسكم وكتب الجواب بمثل ذلك.
حكى لي المقرىء إبراهيم المذكور قال : لما قرأ المطالعة ، وأمر بكتب الجواب حصل له في خلال ذلك رعاف يسير ، فمسح أنفه بمنديل كان في يده ورماه ، وطلب غيره ، فلم يكن عنده غيره فغسل بيده موضع الدم منه وحمله ، قال : ولم أجد معه إلّا نفرا يسيرا جدا إن في ذلك لعبرة.
وأما أهل القلعة فتمسكوا بالعصيان ، وانتظار ما يرد به جواب الملك الناصر ، فعاد كتبغانوين بالعساكر ، وكان عند توجهه إلى دمشق اجتاز ببعلبك ، ولم يتعرض لقتالها ، فلما عاد بعد أخذ قلعة دمشق أحضر معه بدر الدين محمد بن قريجار ، وجمال الدين بن الصيرفي ليتحدثا مع أهل القلعة ، فتحدثوا فلم يفد ، وحضر إبراهيم بجواب الملك الناصر فحلل ما بقي من العزائم ، غير أن الوثوق بأمان التتر غير محقق ، فلما رأى كتبغا إصرارهم نازل القلعة ونصب عليها عدة مجانيق في يوم الأحد وجميعها تضرب في برج واحد لعله من أحصن الأبراج بحيث فتحت فيه