بلسان حاله : من صار إليه هذا الأمر فليعتبر ، قال : وفي الكنيسة خزائن كبيرة ، فيها من جميع العلوم ، وفيها خزائن تسمى خزائن البلدان ، كل خزانة مذكور فيها في الكتب اسم المدينة ، وما فيها من الأنهار والأعين ، ومادية البلد من أين هي ، ومن أين يدخل عليه الضرر ، ويحصل له النفع حتى ما فيه من الكنوز والدفائن ، وأين هي مدفونة ، لأن لما غلب المسلمون على بلادهم لم يلحقوا يستصحبوا جميع ما ملكوه ، فدفنوه وكتبوا به كتبا وضعوها في خزائن ، وتركوها في كنيسة القسطنطينية لأجل ذريتهم ، لزعمهم أن البلاد تعود إليهم ، فمن أجل ذلك أن المغاربة قد اختصوا بعلم الكنوز دون غيرهم ، وسبب ذلك أن المغاربة والإفرنج لا تزال الحرب بينهم ، فإذا أسر الفرنج من المغاربة جعلوا أكثرهم خدام الكنيسة ، ويكون بعضهم يحسن الخط ، ويكون عنده خدمه ، فيبالغ في خدمة القسيس المتسلم للخزائن ، فربما بعض القساوسة اشتهى أن ينفع ذلك الأسير لأجل خدمته له في المدة الطويلة ، فيكتب له صفة كنز أو دفينة ، ثم يتوصل ذلك المغربي إلى ذلك البلد فيجده ، وقد تغير بنيانه وصفات الموضع ، وربما بعضهم أدركه أجله ، فيعطي الورقة لأسير آخر ، فما يدري كيف قال له القسيس ، فمن أجل ذلك يحصل لكثير منهم التخبط والتخليط ، ومثل هذا النوع كثير.
ومما حكي لي الشيخ الفاضل شمس الدين أبو اسحاق إبراهيم بن أبي بكر الجزري قال : أسر الفرنج لشخص من قرية باغيثا وهي ظاهر الجزيرة العمرية ، وبعث به صاحبه لخدمة كنيسة القسطنطينية فتعلق الأسير بخدمة البطرك ونفذ إلى قلبه مدة عشر سنين ، فلما كان في بعض الأيام هو وإياه قاعدين ، وقد خلت الكنيسة ، ولم يبق فيها غيرهما ، قال له البطرك : إيش قولك في ثلاثة آلاف دينار مصرية أعجل لك منها ألف دينار ، والباقي بعد عودك من قضاء الشغل ، وإن شئت تذهب بعد ذلك؟ فقال له : ومن لي بذلك ، فحلفه البطرك ، وحلف له البطرك على