على مرتبته إلى حيث توفي ، ولما تولى الملك الأشرف بعد أبيه ، ورتب الوزير شمس الدين بن السلعوس في الوزارة ، وفوض إليه جميع الأمور ، قال شمس الدين لفتح الدين : كل ما تكتبه تعرضه علي ، فقال له : لا سبيل إلى ذلك ، ولا يطلع على الأسرار إلا مولانا السلطان ، فإن اخترتم وإلا عينوا عوضي ، فلما قالوا للملك الأشرف ذلك ، قال : صدق هو يكون على ما كان عليه زمن الشهيد رحمهالله ، ولما توفي وجدوا في أوراقه قصيدة قد عملها مرثيه في المولى تاج الدين ابن الأثير رفيقه في كتابة الإنشاء ، وكان تاج الدين له مدة طويلة مريض ، وقد أشرف على الموت فعوفي قبل وفاة فتح الدين بأيام قلائل ، وولي تاج الدين ابن الأثير مكانه ، فعاد تاج الدين ابن الأثير رثاه ، وما أشبه هذه الواقعة بالأبيات المقدم ذكرها للشيخ عز الدين الإربلي رحمهالله :
لا تجزعي يا نفس إن عبثت بنا |
|
أيدي الخطوب وخانت الأيام |
وتضايقت أوقاتنا ولربما الدنيا |
|
انكشفت شدائدنا ونحن نيام |
كم رأينا من مريض فصلوا |
|
أثوابه للعيد وهو همام |
والدهر يرفع للفتى ويحطه |
|
والعمر فيه صحة وسقام |
والبدر يكمل بعد نقصان به |
|
ويحل فيه النقص وهو تمام |
والعمر يفنى بعد ذاك وتذهب |
|
الدنيا ويذهب بعدها الأقوام |
وكان عنده تواضع ، وحسن تلقي وبشاشة ، وجد وكيس ، قال ابن الجزري : اتفق أنني كنت يوما بقلعة دمشق عند الأمير سيف الدين ابن المحفدار أمير جاندار بباب السلطان ، ومعي لوائس (١) حتى يأخذ له منها واحدة ، وفتح قد طلع من عند السلطان وبيده كتب فسلم على سيف الدين وقلب معه اللوائس ، فسألني عن أثمانهن فعرفته الثمن
__________________
(١) لم أهتد إلى المقصود ، ولم ترد هذه الحكاية في تاريخ ابن الجزري ـ ط. بيروت ١٩٩٨ ـ ج ١ ص ١٣٤ ـ ١٣٦.