وفي ثالث ربيع الآخر خرج الناس إلى صلاة استسقاء إلى الصحراء ، وخطب الشيخ عز الدين الفاروثي ، وحضر الأمير علم الدين الشجاعي ماشيا ، والجيش والخاصة والعامة ، وخرج أيضا جماعة إلى مغارة الدم ، وأقاموا بها ليالي وأيام يبكون ويقرأون ، ويتضرعون فما برحوا حتى سقى الله العباد ، وأنزل الغيث بمنه وكرمه.
وفي مستهل جمادى الآخرة دخل الأمير شمس الدين الأعسر على بنت الصاحب شمس الدين ابن السلعوس ، وكان من قبل بأيام قد عقد العقد على صداق ألف دينار ، المعجل منه خمسمائة دينار.
وفيها في منتصف شهر رمضان وهو يوم السبت خرج بجنازة الصاحب فتح الدين أبو عبد الله محمد بن محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر من قلعة دمشق ، وصلي عليه بسوق الخيل ، ودفن بسفح قاسيون ، حدث عن بهاء الدين ابن الحميري ، وكان قد انفرد بكتابة الأسرار السلطانية المنصورية ، وحظي عند السلطان الملك المنصور دون جميع الموقعين ، وكان سبب ذلك أن فخر الدين ابن لقمان ، لما توزر للملك المنصور ، كان هو رئيس الموقعين ، وهو كاتب الأسرار فقال له السلطان : من يكون عوضك في كتابة السر في الجماعة؟ فقال : ياخوند يكون فتح الدين بن عبد الظاهر ، قال : أحضره فأحضره ورتبه ، واشتغل فخر الدين بأمور الوزارة فاتفق أن فتح الدين تمكن من السلطان وحظي عنده ، حتى أن بعض الأيام ورد كتاب من بعض الجهات ، وما كان فتح الدين حاضر ، وفخر الدين قد دخل فأعطاه السلطان الكتاب حتى يقرأه عليه ، فلما قرأ بعض الكتاب ، وفتح الدين دخل ، فأخذ الكتاب من يد فخر الدين ودفعه بيده ، وقال له : تأخر وأعطى الكتاب لفتح الدين ، وألقى إليه أذنه ، وقال له : ما يكتب جوابه ، ومن ذلك اليوم تأدب معه رفاقه وخضعوا له ، ولما ترك فخر الدين ابن لقمان الوزارة ، وعاد إلى كتابة الإنشاء لزم الأدب أيضا معه ، وما قدر يعود إلى ما كان عليه أولا ، وبقي