بالهلال ، وسلكوا إليها تلك المخارم ، وقد تقدمهم الرعب هاديا ، وأقدموا على قطع تلك المسالك والمهالك بالأموال والأنفس ثقة بأنهم لا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ، ولا يقطعون واديا ، فلم يكن بأسرع من أن طار إليهم الحمام في أجنحة السهام ، وخضبت الأحجار تلك الغادة العذراء بالدماء للضرورة ، وللضرورات أحكام ، وأزالت النقابة عنها نقاب احتشامها ، ودبت في مفاصلها دبيب السقم في عظامها ، مع أنها مسفرة مشرفة على الصخر الذي لا مجال فيه للحديد ولكن الله أعز بالنصر سلطانا ، فجاءت أسباب الفتح على ما يريد ، وأقيمت المجانيق المنصورة أمامها ، فأيقنوا بالعذاب الأليم ، وساموا بروق الموت من عواصف أحجارها التي ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ، وساهموها صلاة الخوف فلسهامها الركوع ، ولبروجهم السجود ولقلعتهم التسليم ، ولم نزل نشن عليهم غارة بعد غارة ، ونسقيهم على الظمأ صوب أحجارها ، وان من الحجارة ، مع ذلك تطهر الجلد والجد وتغضب غضب الأسير على القد ، وتخفي ما تكابد من الألم ، وتشكو بلسان الحال شكوى الجريح إلى الغربان والرخم ، إلى أن جاءت من الأنجاد ما كانوا يأملون ، وسطت مجانيقنا على مجانيقهم ، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ، وكلما سقطت أسوارها وتحصلت بيد النقوب أستارها ، وتوهم الناظر أنها هانت ، ورآها المباشر في تلك الحالة أشد ما كانت ، وثبتت على الرمي والارتماء ، وعدت على من اتخذ نفقا في الأرض أو سلما في السماء ، واستغنت فكأن السور عن السور ، وانقضت أحجارها على أسود الحرب انقضاض النسور ، وكان الفتح المبارك في صباح يوم السبت المبارك حادي عشر رجب الفرد ، سنة إحدى وتسعين وستمائة ، بالسيف عنوة ، فشفت الصوارم من أرجاس الكفر الغلل بقمع العدا ، وكبتها ، وسطا خميس الأمة يوم السبت على أهل الأحد ، فبارك الله لخميس الأمة في سبتها ، فليأخذ حظه من هذه البشرى التي أصبح الدين بها على الأنام بادي الأنوار ، ضاربا مضارب دعوته على الأقطار ،