والحال ، يمدونهم بالهدايا والألطاف ، ويدلونهم على عورات الأطراف ، وهم يتقون بمسالمة الأيام ، ويدعون قلعتهم لم تزل من الحوادث في ذمام ، ويغترون بها ، ولو لا السطوات الشريفة لحق لمثلها أن تغتر ، ويسكنون إلى حصانتها كلما أومض في خلل السحب برق ثغرها المغتر ، وهو حصن صاعد منحدر بارز مستتر ، لا يطال إليه السالك إلا على المحاجر ، ولا تنظره العيون حتى تبلغ القلوب الحناجر ، كأنه في ضمائر الجبال حب يقتل ، وهو كامن ، وبحرف الظاهر ، وهو باطن ، قد أرخت عليه الجبال الشواهق ذوائبها ، ومدت عليه الغمائم أطنابها ، ومضاربها ، وقد تنافست فيه الرواسي الرواسخ فأخفاه بعضها عن بعض ، وتقاسمته العناصر فهو للنكاية والرفعة والثبات ، ومجاورة الفرات مشترك بين النار والهواء ، والماء والأرض ، وقد امتدت الفرات من شرقها كالسيف في يد طالب ثأر ، وأكتنفها من جهة الغرب نهرا آخر استدار ونحوها كالسور ، وانعطف معها كالسوار وفي قبلة قلتها جبل يرد الطرف وهو كليل ويظل النظر في تخيل هضابه ، فلا يهتدي إلى تصورها بغير دليل ، وكذلك من شرقها وغربها ، فلا تنظرها الشمس وقت الشروق ولا تشاهدها وقت الأصيل ، وحولها من الأودية خنادق لا يعرف فيها الهلال إلا بوصفه ، ولا الشهر إلا بنصفه وأما الطريق إليها فيزل الزرد عن منتهاه ، ويكل طرف عن سلوك سهلها فضلا عن حزنها ، وبها من الأرمن عصب جمعهم للتكسير ، ومن التتار فرق زيادتهم قد بذلوا دونها النفوس ، وتدرعوا للذب عنها البؤس ، وأقدموا على شرب كأس الحمام خوفا أن يكفرهم التكفور ، أو يحرمهم خليفتهم الحاكم بها كيثا غنكوس ، وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وفسح في ميدان الضلالة آمالهم ، فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه ، وترك كلامهم ، يعض من الندم يديه ، وحين أمر مولانا السلطان خلد الله ملكه الجيوش المنصورة بالنزول عليها ، والهجوم من خلفها ومن بين يديها ، ذللت مواطىء جياده صهوات تلك الجبال ، وأحاطت بها من كل جانب كإحاطة الهالة