وذلك أنا ركبنا من مصر لغزوها ، وقد كان من قبلنا من الملوك يستبعد مداها ، ويناديها فلا يجيب إلا بالصد والإعراض صداها ، ويسائل النسيم عن جبالها ، فتحيل في الجواب على النسور المهمومة ، ويستشير أولي الرأي في حصرها فلا يسمع إلا الأقوال المتلونة ، والآراء المتلومة ، وما زلنا نصل السرى بالسير ونرسل الأعنة إلى نحوها فتميل الجياد أعناقها إليها مدا تنقطع بين قوتها وقوته السير ، واستقبلنا من جبالها كل صعب المرتقى ، وعر المنتقى شاهق لا يلقى به مسلك ولا يلتقي ، فما زالت العزائم الشريفة تسهل حزونه ، والشكايم تفجر بوقع السنابك على حجارته عيونه ، والجياد المطهمة ، ترتقي مع امتطاء متونها بدروع الحديد متونه ، فلما أشرف عليها منا أشرف سلطان ، جعل جبلها دكا ، وحاصرناها حصارا ألحقها بعكا ، ونصبنا عليها عدة مجانيق تنقض حجارتها انقضاض النسور ، وتقتنص الأرواح من الأجسام ، وإن ضرب بينها وبينهم بسور ، هذا والنقوب تسري في بدناتها سريان الخيال ، وإن كانت جفونها المسهدة ، وعمدها الممدودة ، وحفظها المجندة ، ورواسيها على جبل الفرات موطدة ، وقد خندقوا عليها خندقا جرت فيه الفرات من جانب والنهر المسمى بزريان من جانب ، ووضعها واضعها على رأس جبل يزاحم الجوزاء بالمناكب ، وسفح صرحها الممرد فكأنه عرش لها على الماء ، وإذا رمقها طرف رآها اشتبهت عليه بأنجم السماء ، وما زالت المضايقة تقص من جبلها أطرافه ، وتستدر بحليها أحلافه ، وتقطع بمسائل جلاد معاولها وجدالها خلافه ، وتورد عليها من سهامها كل إيراد لا يجاوب إلا بالتسليم ، ويقضى عليها بكل حكم لا يقابل ثبوته إلا بالتحكيم ، ولما أذن الله بالفتح الذي أغلق على الأرمن والتتار أبواب الصواب ، والمنح الذي أضفى على أهل الإيمان من المجاهدين أثواب الثواب ، فتحت هذه القلعة بقوة الله ونصره ، في يوم السبت حادي عشر رجب الفرد ، فسبحان من سهل صعبها ، وعجل كسبها وأمكن منها ، ومن أهلها ، وجمع شمل الممالك الإسلامية بشملها