جملة ما رفعته عدة من الجمال بأحمالها قدر رمح ، وحملت جماعة من الجند ، والغلمان ، وأهلكت شيئا كثيرا من السروج التي صدفتها في الرياح ، وطحنت ذلك إلى أن بقي لا ينتفع به ، وأتلفت شيئا كثيرا مما صادفته في طريقها ، وأضاعت شيئا كثيرا من العدد ، والقماش لمقدار ما يفي نفر من الجند وأصحاب الأمر ، إلى أن صاروا بغير عدة ، ولا قماش ، وغابت تلك الحية عن العين في عنان السماء ، فتوجهت في البرية صوب الشرق ، والذي عدم من قماش الجند منه ما راح في الغمامة السوداء ، ومنه ما أخذه بعض الجند مع أن المملوك ركب بنفسه ، ودار في العسكر المنصور ، واستعاد كثيرا مما عدم ، وبعد هذا عدم ما تقدم ذكره ، وهذه الواقعة ما سمع بمثلها أبدا ، ثم وقع بعد هذا يسير من مطر ، ثم أن اللواحيق الكبار حملها الهواء ، وهي منصوبة ، وصارت مرتفعة في الجو ـ وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وفيها وصل تقي الدين توبة إلى دمشق من الديار المصرية متوليا الوزارة بالشام يوم الثلاثاء سلخ ربيع الآخر .....
السنة السادسة والثمانون وستمائة
استهلت هذه السنة والخليفة والملوك على القاعدة المستقرة ، والملك المنصور سيف الدين قلاوون ـ رحمهالله ـ بالديار المصرية ، وقد جهز طائفة من العساكر صحبة الأمير حسام الدين طرنطاي إلى الشام لحصار صهيون ، وبرزية ، وانتزاعهما من يد الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ، فوصل الأمير حسام الدين بمن معه من العسكر المصري دمشق في أثناء المحرم أو أواخره ، واستصحب معه الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة بالشام ، وعسكر الشام ، وتوجه إلى صهيون بالمجانيق ، وقاسوا من الأوحال شدة فوصلوها ، وشرعوا في حصارها ، فكان الأمير شمس الدين قد استعد لهم ، وجمع إلى القلعة خلقا كثيرا من رعية بلده ، وبعد منازلته بأيام ، توجه الأمير حسام الدين إلى حصن برزية ، وحصره ، واستولى عليه ، وهو مما يضرب المثل بحصانته ، ففتحه ، ووجد فيه خيولا