بالثلاثة ، ولم تزل مناجيقنا ترقى القلعة بحجارة تطير محلقة نحوها كالطيور ، وتعلو نسور أحجارها طالبة قبة قلتها ، والجبال الشاهقة ، وكور النسور ، فما رمت حجرا إلا أثر بها أثرا ، ولا راجعتها ضربا إلا أسمع وأرى بظاهرها وباطنها ندبا ، لكنها على مراجعة الحرب ، ومعاودة الضرب ، كأنها تضرب من حجارة أسوارها في حديد بارد ، وهي وإن لم تكن حديدا ، فإنها حجارة حديدة لا تعمل فيها المعاول ، ولا تؤثر فيها المبارد ، إلا أن نوازلها مصيبة فيها نازلة ، وما أشبه سهامها بسهام العيون تقضي بالمنون ، ولا تفارق الجفون ، أو بالنجوم في الرجوم تصيب وهي بمكانها المعلوم ، ودامت ذمة حسناتها مطالبة المحاصرة بما في يدها للملة الإسلامية من الاعتصاب والفرض ، والنقابة تعمل من خوارجها في داخل بنيانها عمل الخلد في الأرض حتى أخلد الله الأرض ، وتقضت النقوب نظام أساساتها فانحلت ، وألقيت النار في أحشائها ، فألقت ما فيها وتخلت ، هذا ، والمجانيق منا ومنهم تارة وتارة ، وأكفها ترمى من النفط أصابعها بشرر كالقصر ، وقودها الناس والحجارة ، إلى أن تمكن الهد من أحد أبراجها ، فهدم بناءه المنظم ، ولما أراد جداره ينقض ، سارع إلى تقبيل الأرض ، وبادر إلى الخدمة فسلم ، وزحفت عليها الجيوش المنصورة من جوانبها ، وأحاطت بها إحاطة الأغماد بقواضبها ، وضمتها ضم الأطواق للأعناق ، وأطبقت بها أطباق الجفون على الأحداق ، إلا أن الله سبحانه وتعالى سهل أمرها ، وأذل للإسلام كفرها ، وسلط المجانيق المسلمة على المجانيق الكافرة ، فكفى المؤمنين شرها ، فلم يزل كل منها يرميهم بأحجاره ، حتى استنزلهم على اختياره ، وسألوا الإجارة من الحجارة ، وطلبوا الأمان من الإيمان.
وأذعنوا بالاستسلام إلى الإسلام ، وكتابنا هذا ، وقد علت على قلعتها أعلام الإيمان ، وصرح بها إعلان الأذان ، ورمي بالخرس جرس الحرس ، وأذهب ظهر الإيمان منها رجس النجس ، وافترت عن فتحها ثغور