حتى أهوى يلثم بين يديه التراب ، وتأدب بآداب الطاعة حين نظرت إليه ، فخر راكعا وأناب ، فهاجمتهم الجيوش المنصورة مهاجمة الحتوف ، وأسرعت المصاف الإنتضاء. فلم يدر العدو أهم أم الذي في أيديهم السيوف ، فحل بهم الذل ونزل ، وخافوا فتكات تلك السيوف التي تسبق العذل ، وثبت من لم يجد وراءه مجالا ، وهو يقول : مكره أخاك لا بطل. فلجأوا إلى الأمان ، وتمسك ذل كفرهم بعد الإيمان ، تشبثوا بساحل العفو حين ظنوا أنهم أحيط بهم ، وجاءهم الموج من كل مكان ، فسألوا أن يكون العفو عن مولانا السلطان من بعض الصنائع ، وتضرعوا في أن يجعل أرواحهم لسيوفه من جملة الودائع ، فتصدق عليهم بنفوسهم كرما ، وظلوا على معنى الخبر المأثور يرون الموت يقظة ، والحياة حلما ، وأطلقتهم اليد التي لا يخيب لديها الأمل ، وأعتقتهم اليمنى التي فجاج الأرض قبضتها ، فمتى تشاء تجمع عليهم الأنامل ، وخرجوا بنفوس قد تجردت حتى من الأجسام ، ومقل طلقت الكرى خوفا من سيوفه التي تسلها عليهم الأحلام ، وسطرت والنصر قد يتسنم أعلاها ، وشعار الإيمان قد جردها من وحشة لباس الكفر وأغرارها ، والأعلام المنصورة قد سلكت إلى ذلك المرقب أعلى مرتقى ، والسعادة قد بدلت بيعه مساجد ، ومحاريبه قبلة ، وكان شرقا فأصبح يرفل في حلل الإيمان ، وأذعن بالطاعة ، فأجرس جرس الحرس به صوت الأذان ، وعاد سهما مسددا في كنانة الإسلام ، ودرا منضدا في عقد المملكة فحسن به فتم النظام ، لا يسلك البحر طاغ إلا ويقذفه الموج إليه ، لا يختلس أكبر باغ إلا وتوقعه ضيق مسالكه في يديه ، فهو أحسن من إرم ، وأوضح من علم ، وأنكى في الإصابة على البعد من السهم الذي أصاب وراميه بذي سلم ، فيأخذ مولانا حظه من هذا النصر الذي هو إليه ، وان بعد منسوب ، والفتح الذي عددت الفتوح على كثرتها فهو بجميعها محسوب».