فكلما قذفت هذه بكواكبها الزهر ، قذف هذا بكواكبه السود ، ولم يكسر لهم منجنيق إلا نصبوا عشرا مكانه ، ولا قطعت لأحدها أصبع إلا ومد الآخر بنانه ، فتطلب بتجارب مثل الكماة ، وتتحايل تحايل الرماة ، حتى فتحت وفسحت الرجال مجالا ، ونالت ونيل منها ، وكذلك الحرب تكون سجالا ، هذا ، والنقوب قد دبت في بواطنه دبيب السقام ، وتمشت في مفاصله كما يتمشى في مفاصل شاربها المدام ، وحشت أضالعه نارا تشبه نار الهوى ، تحرق الأحشاء ، ولا يبدو لها ضرام ، فقد أحل من حلة الوجل ، وتحققوا حلول الأجل ، وأيقن الحصن بالانتظام في سلك ممالك الإسلام ، وكاد يرقصه ممن فيه فرط الجدل ، وزاد شوقه إلى التشريف بوسمها ، وما صابه مشتاق على أمل من اللقاء كمشتاق بلا أمل ، لكنهم أظهروا الجلد ، وأحفظوا إضرام نار الكمد ، وكيف يخفي وقد انحلوا في أشرك إشراكهم ، لعلمهم أنه لا مقاض من يد أهل التوحيد لأهل الأحد ، وتدفقت إليهم الجيوش المنصورة ، فملأت الأفق ، وأحاطت بهم إحاطة الطوق بالعنق ، ونهضت إليهم مسندة من عزمات سلطانها ، مستعدة لانتزاح أرواح العدى على يدها من أوطانها فانقطعت بهم الظنون ، ودارت عليهم رحى المنون ، وأمطرت عليهم المجانيق أحجارها ، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون ، لمن بها من اللهب تلك الأحجار ، فهدمت العمائر والأعمار ، وأجرت في نواحيها أنهار الدماء ، فهلكوا بالسيف والسيل والنار ، ولما ركب مولانا السلطان ـ خلد الله ملكه وسلطانه ـ لأول الزحف في جيوشه التي كاثرت البحر بأمواجه ، وسقت العدى على ريها بالخوف كؤوسا أمر من أجاجه ، تزلزل الحصن لشدة ركضه ، وتضعضع من خوف غضبه ، فلحقت سماؤه بأرضه ، وتحللت قواعد ما شيد من أركانه ، فانحلت وانشقت سماؤه من الجزع ، فألقت الأرض ما فيها وتخلت ، ومشت النار من تحتهم وهم لا يشعرون ، ونفخ في الصور بل في السور فإذا هم قيام ينظرون ، وما كان إلا أن قابل مولانا السلطان ـ خلد الله سلطانه ـ ما شمخ من أبراجه