الركائب ، وتسري الكتائب ، وتشرع الأسنة ، وتبدو ضمائر النفوس المستكنة ، أخلصنا النية لله عزوجل في نصرة الإسلام ، وتقاضينا ديونه على الأنام ، وجعلنا منهم مقدما على ما عداه ، وصممنا على جهاد من نازعه رداء ملكه وعاداه ، تركنا حظ النفس بمعزل. وكان في عزمنا أن نرتاد منزلا ، فعرجنا عن ذلك المنزل ، وقلنا : يا خيل الله اركبي ، ويا ملائكة النصر اصحبي ، ويا أقلام البشرى اكتبي ، وصلنا إلى الشام في جنود تقبل مثل قطع الليل ، وتندفع اندفاع السيل ، وكلما مررنا بمملكة سالت بجموعنا أوديتها ، وغصت بعساكرنا أنديتها ، وانضم إلينا جنودها ، وخفقت علينا بنودها ، ولم نزل نطوي المراحل ، ونتجاوز الخصب والماحل ، إلى أن نزلنا بعيون القصب من عمل حمص ، فوافاها البشير بما كان من أمر بلاطنس التي تقدمت بها البشرى ، وفتت في عضد من كان بها قد استطار شرر طمعه واستسرى ، ولم تزل بعد السير ، وتود لو استعرنا أجنحة الطير ، إلى أن وافينا المرقب ، وهي المقصد ومناخ ركائب العزم الذي هو لها مرصد ، فكانت محط رحلنا ، وإليها مطارح آمالنا ، وأصحابها الذين بدأوا بالسنان ، وقعقعوا لنا بالشنان ، وامتدت لهم الأيدي والألسنة ، وجعلوا السيئة مكان الحسنة ، وطمعوا بالبلاد وارتجاعها ، وارتادوا موارد الحرب على بعد أشجاعها ، واستلانوا من عسكر حصن الأكراد جانبا ظنوا به الغلب ، وفعلوا أمرا عادوا منه بسوء منقلب ، وصاروا يتكلمون من رؤوس ملأى من الجهل ، ويأخذون في الحزن إذا أخذتهم إلى السهل ، ونحن نعمل على الأمر الذي يلف العماء ، ويعيرهم أذنا سميعة ، لا أذنا صماء ، ونرتاد منهم أمكنة الفرص ، ونوحي لهم جمالة القنص ، فلما رجمتهم الظنون ، وتمحضت لهم المنون. وثبنا لهم وثبة الليث المغضب ، وأوردناهم بأسيافنا ماء لا ينزح قليبه ولا ينضب ، وما وردنا حتى قامت جيوش الجو على ساق ، وجاءت بعوث الغمائم من الآفاق ، ورشقت سهام السحائب ، وتغلغت ريح الصبا والحبائب ، ورجفت الرعود بجنودها ، وجردت البروق