بيضها من غمودها ، والقطر يرسل الحجارة إلا أنها من برد البحر إذا مرت به الريح صار كأنه درع موضونة الزرد ، فنزلناها ونازلناها ، وأمطنا حجب المهابة وأزلناها ، وأحدقنا بها إحداق السوار وأحطنا بها ، كما يحيط باليد السوار ، وكانوا يغترون بمنعهم ، ويعتزون بما يجري من سيل قلعتهم ، ويعتقدون أن المعتصم بمكانهم واثق بأن يمس السماء بكفه ، ويرى النجم دونه إذا لمحه بطرفه ، فلم تزل تغاديهم الفتك وتراوحهم ، وتماسيهم الحرب وتصابحهم ، وترسل إليهم رسل المنايا ، وتوقر سهامهم إلا أنها من الحبايا ، ونرميهم بعذاب واصب ، ونكلهم إلى هم ناصب ، والمنجنيقات تفوق إليهم سهامها وقسيها وتخيل لهم أنها تسعى إليهم حبالها وعصيها ، وهي للحصون من ألد الخصوم ، وإذا أمت معصما ، حكم أنه ليس بإمام معصوم ، ومتى افترى خلق في آلات الفتوح لم يكن فيها أحد من الممترين ، وإذا نزلت بساحة قوم (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ)(١) تدعى إلى الوغى ، فتكلم ، وما أقيمت صلاة حرب عند حصن إلا كان ذلك الحصن من يسجد لها ، ويسلم إلى أن أقوت ربوعهم ، وصبت على مثل جمر الغضا ضلوعهم ، وأخذناهم أخذا وبيلا ، وأوردناهم مهاوي المهالك ، وساءت سبيلا ، وخسرت صفقة غدوهم وتراوحهم ، وتحللت أعقد أجسامهم من أرواحهم ، ووجدوا من أنفسهم حدا كليلا ، وجدا عثورا ، وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ، وملكناها بالأمان وهو في المعنى بالسيف ، وهجمناها هجوم الطيف ، وكانت هي التي قد بقيت للاسبتار رحلة شتائهم وصيفهم ، فلم يبق لهم رحلة شتاء ولا صيف ، وسطرنا هذه البشرى والحرب قد وضعت أوزارها ، والنفوس قد قضت منهم أوطارها ، والبلاء قد دهم بلادهم وأقطارها ، والعلم يبني على العلم ، والسيف يملي على القلم ، والثغر قد جدد على أيدينا إسلامه ، وأبدلنا بعد قطوبه ابتسامه ، والدهر
__________________
(١) سورة الصافات ـ الآية : ١٧٧.