خزيان ينظر ، والأذان مكان الناقوس ، والقراء موضع القسوس ، والكنيسة قد عادت محرابا ، والجنة قد فتحت للمجاهدين ، فكانت أبوابا ، وكنا نود أن الولد معنا في هذه المشاهد ، وأن ينظرها بعين المشاهد ، ونرجو أن يكون ممن يستكين المرقد ، وإن لم يحضر هذه الغزوة فيتأهب للأخرى ، فكان قذفا لهمم تجعل ثمار النصر دانية القطوف ، والسعيد من لا يستظل إلا بسيفه ، فإن «الجنة تحت ظلال السيوف».
وكتب المولى تاج الدين ـ رحمهالله ـ عن السلطان ـ رحمهالله ـ في المعنى إلى الأمير علم الدين الشجاعي يقول :
«إذ أمر الله بهائي المجلس العلمي ، وأحل البشائر بساحته ، وسره باستيلائنا على كل ثغر واستباحته ، وأسمعه من أنبائنا الجميلة ما يعجز عن التعبير عنه لسان القلم على فصاحته ، ولا زال مهنأ بأيامنا التي تؤرخ بالفتوح ، وتنجد في مواقف الحرب بالملائكة والروح ، وتختص بالمدح دون كل ممدوح ، وترى ما يطوى بجيوشنا من الأرض ، ولا يبعد عليها مكان به طروح ، قد علم المجلس حركتنا إلى الشام ، وإنا أنشأناها عجالا ، وجئنا بها على البديهة ، فلو كانت قصيدة لأنشدناها ارتجالا ، وكانت مباديها توجد بأطراف الأنامل ، ومناديها يعود بخيبة الأمل ، ومهامها متلقاة بالهمم القاصرة ، وعزائمنا فيها كلها توقدت جمراتها ، صادفت نيات إن لم تكن باردة فهي قارة ، وإذا مر ذكرها بمن له غرض أو في قلبه مرض ، ظن الظنون ، وخيل له أن أمرها لا يتم ، وسرعتها لا تكون ، ونحن نوسع للجهال حلما ، ونزداد بعواقب التدبير علما ، وكان الباعث عليها أمور مهمة ، ومرأى تستفرغ قوى الأفكار المستجمة ، وكل وقت نصعد النظر ونصوبه ، ونتصفح وجه الرأي ونقبله ، ونرتاد جهات القصد التي كان منها منشأ المفاسد ، وبها لشياطين النفاق نفاق ، وكل سوق كاسد ، فلما أخذت الأناة مآخذها ونفذت الآراء منها منافذها ، وتمحضت زبدة الحلب ، وأسفر وجه الطلب ، ولم يبق إلا أن تزم