وفي يوم الأحد رابع عشرة ، راسل الفرنج من بيت الاسبتار ، وسألوا السلطان الأمان لأهل المرقب على أنفسهم وأموالهم ، ويسلمون الحصن المذكور ، فلم يجبهم السلطان في ذلك ، وكمل نصب المجانيق ، ورمى بها ، وشعث الحصن ، وهدم معظم أحد أبراجه ، واستمر الحال إلى سادس عشر ربيع الأول ، زحف السلطان على الحصن ، فأذعن من فيه بالتسليم ، وحصلت المراسلة في معنى ذلك ، فلما كان يوم الجمعة ثامن عشر الشهر المذكور سلم ورفعت عليه الأعلام الإسلامية ، ونزل من به بالأمان على أرواحهم ، فركبوا ، وجهز معهم من أوصلهم إلى أنطرسوس ، وبالقرب من هذا الحصن مرقية ، وهي بلدة صغيرة على البحر ، وكان صاحبها قد بنى في البحر برجا عظيما لا يرام ، ولا يصله النشاب ، ولا حجر المنجنيق ، وحصنه ، واتفق حضور رسل صاحب طرابلس إلى السلطان يطلب مراضيه ، فاقترح عليه خراب هذا البرج وإحضار من كان فيه أسيرا من الجبليين الذين كانوا مع صاحب جبيل ، فأحضر من بقي في قيد الحياة منهم ، واعتذر عن البرج أنه ليس له ، فلم يقبل اعتذاره عن ذلك ، وصمم على طلبه منه ، فقيل : إنه اشتراه من صاحبه بعدة قرى وذهب كثير ، وهدمه ، وحصل الاستيلاء في هذه الغزوة على المرقب ، وأعماله ، ومن فيه ، وبلنياس ، وهذا المرقب هو من الحصون المشهورة بالمنعة والحصانة ، وهو كبير جدا ، ولم يفتحه السلطان الشهيد صلاح الدين ـ رحمهالله ـ بل ادخره الله تعالى للملك المنصور ـ رحمهالله ـ فحاز أجره وشكره ، ولو لم يكن من ضرورة إلا ما فعل أهله بالمسلمين في شهور هذه السنة لكفى ، وضرره لا يحد ، وأبقاه الملك المنصور ، ورم ما تشعث منه ، واستناب فيه ، ورتب أحواله ، وهو لبيت الاسبتار ، وأنشئت الكتب بالبشائر بفتحه ، فمن ذلك كتاب من السلطان إلى ولده الملك الأشرف صلاح الدين خليل بخط المولى تاج الدين أحمد بن الأثير ـ تغمده الله برحمته ـ ومن إنشائه وهو :