«أعز الله نصرة الجناب العالي الملكي الأشرفي الصلاحي ، ولا زالت جيوشه تفتتح من الممالك حصونها ، وتبتذل مضمونها ، وتستثمر من العادة غصونها ، وتطوى لهم الأرض ، فلا يبعد عليهم مرمى ، يعملون العزائم المهمة ويصينونها ، وتحدث ألسنة العالم بنعم الله التي يرونها في أيامه ويروونها ، ويقصون أجنحتها بالشكر ويقصونها ، تهدي له كل ساعة خبر عن جنوده وما ملكت ، وخيوله وما سلكت ، وسيوفه وما قتلت ، ومهابتها وما أخذت ، ومواهبها وما تركت ، هذه البشرى تقص عليه من غزوتنا أحسن القصص ، وتمثل صورة الفتح التي انتهزنا فرصته ، وقلما تنتهز الفرص ، ونبدي لعلمه الكريم ، أن الهمم بها تنال الممالك ، وترتقى المسالك ، وتجتنى ثمرات النصر ، وتطفىء جمرات الغدر ، وقلما ظفر بالمراد وأودع ، وكل أنف لا يأنف المساءة فهو أحق الأعضاء أن يجدع ، ولم نزل نمثل في أفكارنا الصورة التي أقدم عليها أهل حصن المرقب في مبدأ الأمر عند اضطراب النيات وضعف البينات ، وغرور الآمال الكاذبة ، واشتمالات الخيالات الجاذبة ، حتى نالوا من عسكرنا بحصن الأكراد ما نالوه ، وتخيلوا أن عزمنا قد صرفوه عن قصدهم ، أو أمالوه بأخذ أمرهم في الظاهر بالرخصة دون العزيمة ، ويعمل على ما لو تمثل لهم صورة لجروا منه ذيل الهزيمة ، ويغضون من نواميس المجاوزة ، ويغضي ويمضون بما يبدو منهم ، وتنزل المحاورة وتمضي ، ويستر ما يسدده إلى نحورهم من سهم ، ويريهم أنا ندفع في صدر الحقيقة بالوهم ، ونعرض عن مناقشتهم في الحساب ، ونمسك عنهم ، (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ)(١) ، ومن لم يؤاخذ المسيء بفعله ، ويعرف مقدار حمله ، استدام طمعه ، واستقام طلقه ، وحركته دواعي الشره للشرة ، والحيل السلامة في كل مرة ، فلم يزل يتربص لهم ريب المنون ، وينزل ما كان منهم في جنب ما يكون ، ويرتقب فيهم الوقت
__________________
(١) سورة النمل ـ الآية : ٨٨.