علاء الدين كتابا إلى الملك المنصور قلاوون يذكر فيه ذلك مناصحة له ، وأنه ليحضر هو أو أحد عسكره ليملكه البلاد ، وما يناسب هذا الكلام ليدل على مواطأته ، وسير الكتاب مع شخص يتوجه به إلى الشام ، ويعبر به في طريقه على جماعة من المغل ليأخذوه إذا رأوه ، فلما توجه إلى ذلك المكان ، وجده القراغون ، فأمسكوه وقالوا له : أيش معك؟ وقرروه ، فقر أنه رسول صاحب الديوان إلى ملك مصر ، فأحضروه إلى بغداد إلى الشحنة الذي كان أرسله ، فأعطاه ألف دينار على توجهه به ، فقرروه ، وأخذ الكتاب منه ، وجهزه مع القراغون إلى الملك أبغا ، فطلب علاء الدين مقيدا مغلغلا ، وكان أخوه شمس الدين عند أبغا وزيره ، فعندما بلغه الخبر ، أرسل غلمانه من طريق أقرب من طريق الرسل الواصلين بإحضار أخيه بكتاب يقول فيه : يا أخي! يدك في الكتاب ، ورجلك في الركاب ، وتطوي المنازل ، وكان لم يبرح عنده في الدهليز فرس مشدود ، فمجرد ما وصله الكتاب ، ركب ودخل البريدية الواصلين بسببه فلم يجدوه ، وساق الليل والنهار إلى أن وصل إلى أبغا ، وسأل المحاقة على ما قيل عنه ، وطلب الرسول بالكتاب ، وحاقه وسأله من غير ضرب ، فقر على الشحنة ، وأنه أعطاه ألف دينار على تأدية الكتاب إلى ذلك المكان الذي أمسكوه فيه ، فرسم له بالبلاد على عادته ، وتضاعف شكره ، وخلع عليه ، وتسليم الشحنة إليه ، وحكموه في البلاد أكثر مما كان ، وأما الذي حمل الكتاب المزور ، فأخذه ، وعاد به إلى بغداد ، وتنوع في عذابه وصلبه وسمله ، ودور به البلد ، ثم أرمي بعد ذلك في الدجلة ، وكتب إلى أهل بغداد كتابا يقول فيه بعد البسملة : «إن لله تعالى ألطافا خفية ، يرى صورتها حسنة ، يحسبها الجاهل بجهله نقمة ، فإذا انتهت ونمت ، عرف أنها نعمة» ، وما هذا معناه ، وعاد إلى بغداد ، فاحتفلوا بدخوله احتفالا عظيما ، وزين البلد ، وعملت المغاني في الشوارع ، والقباب المزينة ، وكان يوم دخوله يوما مشهودا ...