عيسى بن مهنا كتابا ، وأغلظ له فيه ، وكان عنده المولى شهاب الدين أحمد بن غانم ، فسأله المجاوبة عنه ، فكتب عنه إليه يقول :
زعموا أنا هجونا جمعهم كذبوا |
|
فيما ادعوه وافتروا بالأدعياء |
إنما قلنا مقالا لا كقول السفهاء |
|
آل فضل آل فضل أنتم آل مراء |
فوقع ذلك عنده بموقع شديد وغضب ...
أبو بكر بن داود بن عيسى بن أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي ، سيف الدين الملقب بالملك العادل ، كان قد جمع بين حسن الصورة ، والأوصاف ، ومكارم الأخلاق ، وسعة الصدر ، وحسن العشرة ، وكثرة الأفضال ، واحتمال الأذى ، وبذل المعروف ، لا يضاهيه في ذلك أحد من أبناء جنسه ، وكان له ميل إلى الانشغال بالعلم ، والأدب ، وعنده ذكاء مفرط ، وحدة ذهن ، وعبارة حلوة ، وآداب حسنة ملوكية ، لم ير أكثر عقلا منه في زمانه ، ولا أكثر حشمة ووقارا وسكونا ، ولا ألطف كلاما ، ولا أحسن بيانا ، عليه هيبة وحشمة ، وكان له ميل كثير إلى أصحاب القلوب ، وأرباب الإشارات ، يلازمهم ، ويقتدي بهم ، ويتأدب بآدابهم ، ويتسلك بما يأمرونه به ، يزور الصلحاء حيث سمع بهم ، وكانت وفاته ـ رحمهالله ـ يوم الخميس عاشر شهر رمضان المعظم هذه السنة ، وصلي عليه يوم الجمعة بالجامع الأموي ، وحمل إلى تربة جده الملك المعظم عيسى بسفح قاسيون ، فدفن بها ، وهو في عشر الأربعين لم يبلغها ـ رحمهالله تعالى.
السنة الثالثة والثمانون وستمائة
استهلت هذه السنة والخليفة والملوك على القاعدة المستقرة ، والملك المنصور سيف الدين قلاوون بالديار المصرية ، وفي أثنائها خرج إلى الشام ، ووصل إلى دمشق مع جماعة من عسكره ، وخواصه يوم السبت ثاني عشر جمادى الآخرة.