شيركي صاحب جبيل ، كان من الفرسان المشهورين عند الفرنج ، محبوبا إليهم لشجاعته وكرمه ، وكان من معظم الخيالة بطرابلس ، قد مالوا إليه وتغيروا على صاحبها ، فكاتبهم شيركي وكاتبوه وتقرر بينهم أنه متى حضر سلموا إليه البلد ، وكان بينه وبين صاحب طرابلس عداوة شديدة ، وكان شيركي قد انتهى إلى الملك المنصور سيف الدين قلاوون ـ رحمهالله ـ بواسطة الأمير سيف الدين بلبان الصالحي ، وشرط على نفسه أنه متى ملك طرابلس تكون مناصفة بينه وبين الملك المنصور ، وطلب أن يعتضد بجماعة من المسلمين الجبليين لقربهم منه ، فسمح لهم النواب بذلك ، وترددوا إليه ، وأخذوا خلعه ، فلما كان في أواخر شوال ، أو أوائل ذي القعدة من هذه السنة ، ركب شيركي في أصحابه وجماعة من الجبليين في البحر ، ودخلوا ميناء طرابلس ليلا ، وخرجوا من المراكب ، ودخلوا البلد ، وطرقوا أبواب من كان كاتبهم ، فلم يخرجوا إليهم ، لأن صاحب طرابلس قد نمى إليه الخبر ، واحترز فجاء شيركي إلى قصر صاحب طرابلس فقيل له : قد علم صاحب طرابلس بباطن الحال ، فارجعوا ، فلم يفعل شيركي ، فلما أحس صاحب طرابلس بدخولهم البلد ، أخرج غلمانه وأصحابه وخيالته في طلبهم ، فأمسكوا من ظفروا به ، وأما شيركي فقصد دار الداوية ليحتمي بها ، فجاء صاحب طرابلس فقبضه منها بعد فصول يطول شرحها ، وسيرهم لوقته إلى أنفه ، وحبسهم بها ، وأما شيركي وأصحابه الخصيصون به فيقال إنه غرقهم في البحر بعد إمساكهم بثلاثة أيام ، وسير غلمانه تسلموا جبيل فصارت له مع طرابلس وما معها ، وأما الجبليون فبقوا في القيود إلى حيث نازل الملك المنصور المرقب ، وحضر إليه رسول صاحب طرابلس فطلبهم منه ، ولم يسمع له رسالة ، فعاد إلى صاحبه ، وأخبره ما رسم به السلطان فكساهم جميعهم وجهزهم إلى عند السلطان بظاهر المرقب فأطلقهم.
شاذي بن داود بن عيسى بن أبي بكر محمد بن أيوب بن شاذي الملك