وما حوله من المقاتلة ألف فارس إلا دون ذلك ، فلما مروا به ثبت لهم ثباتا عظيما ، فلما تعدوا قليلا ساق عليهم ، فانهزموا لا يلوون على شيء ، وكان ذلك تمام النصر ، وكان انهزامهم عن آخرهم قبل الغروب ، وافترقوا فرقتين ، ففرقة أخذت جهة سلمية والبرية ، وفرقة جهة حلب والفرات ، فلما انقضت الحرب في ذلك النهار عاد السلطان إلى منزلته.
وفي بكرة يوم الجمعة خامس عشره جهز السلطان وراءهم جماعة كثيرة من العسكر والعربان ، مقدمهم الأمير بيليك الأيدمري ، ولما ماج الناس نهب المسلمون من الأقمشة ، والأمتعة ، والخزائن ، والسلاح ما لا يحصى كثرة ، وذهب ذلك كله ، أخذه الحرافشة والغلمان وغيرهم.
وبعد صلاة الجمعة خامس عشره جاءت بطاقة إلى دمشق من الفريقين تتضمن الظفر والنصر وانهزام العدو ، فضربت البشائر على قلعة دمشق وسر الناس ، وزينت القلعة والمدينة ، وأوقدت الشموع ، فلما كان ليلة السبت سادس عشره بعد نصف الليل وصل إلى ظاهر دمشق جماعة كثيرة من جيش المسلمين منهم جماعة من الأمراء الأعيان ، وأخبروا بما شاهدوه في أول الأمر وأن الكسرة كانت عليهم ، ولم يعلموا ما تجدد بعدهم ، فحصل لأهل البلد قلق عظيم وخوف شديد ، وتجهز منهم خلق للهزيمة ، وفتح بعض أبواب المدينة ، ولم يبق إلا الشروع في الانزاح ، فوصل في تلك الساعة بريدي من جهة السلطان يخبر بالنصر ، وكان وصوله عند أذان الصبح ، فقرئ كتاب السلطان المتضمن البشارة في تلك الساعة بالجامع ، فطابت قلوب الناس ، ثم ورد بريدي آخر مؤكدا لما جاء به الأول فتكامل السرور ، وتم الأمن ، وعاد الناس إلى ما كانوا عليه من الزينة ، ومضمون بعض الكتب الواردة : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(١) ، صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس ، نعلمه أننا ضربنا
__________________
(١) سورة الصف ـ الآية : ١٣.