مصافا مع العدو المخذول على ظاهر حمص في يوم الخميس رابع عشر رجب الفرد سنة ثمانين وست مائة ، وكان العدو المخذول على ظاهر حمص في مائة ألف فارس أو يزيدون ، والتحم القتال من ضحوة النهار إلى غروب الشمس ، ففتح الله ونصر ، وساعدنا بمساعفة القدر ، ونصرنا ، والحمد لله على أن أذل الأعداء وكسرهم ، وظفر المسلمون ونصرهم ، وكتابنا هذا والنصر قد ضربت بشائره ، وحلق طائره وامتلأت القلوب سرورا ، وأولى الله الإسلام من تفضله علينا وعليهم خيرا كثيرا ، والمجلس فليأخذ حظه من هذه البشرى العظيمة ، ويتقلد عقودها النظيمة ، والله تعالى يخصه بنعمه العميمة ـ إن شاء الله تعالى ـ وأجلت هذه الوقعة عن قتل جم غفير من التتر لا يحصون كثرة ، واستشهد من عسكر المسلمين دون المائتين على ما قيل ، منهم : الحاج أزدمر ، وسيف الدين الرومي ، وبهاء الدين بويل الشهرزوري ، وعز الدين بن النضر ، من بيت أتابك صاحب الموصل المشهور بالسيرة المفرطة ، والبأس الشديد والصرامة ، وكان يسكن جبل الصالحية ، وغيرهم ـ رحمهمالله أجمعين ـ وسنذكر أعيانهم إن شاء الله تعالى.
ثم إن السلطان انتقل من منزلته بظاهر حمص إلى البحيرة التي لها ليبعد عن الجيف ثم توجه عائدا إلى دمشق ، فدخلها يوم الجمعة الثاني والعشرين منه قبل الصلاة ، وخرج الناس إلى ظاهر البلد للقائه ، ودخل بين يديه جماعة من أسرى التتار ، وبأيديهم رماح ، عليها شعف رؤوس القتلى منهم ، وكان يوما مشهودا ، ودخل في خدمته جماعة ، منهم : سنقر الأشقر ، والأمير سيف الدين أيتمش السعدي ، والأمير علم الدين سنجر الدواداري ، وسيف الدين بلبان الهاروني وغيرهم ، ودخل قلعة دمشق ، وكان سنقر الأشقر قد ودعه من حمص ، وعاد إلى صهيون ، ولما استقر الملك المنصور بدمشق. جرد عسكرا عظيما إلى الرحبة لدفع من عليها من التتر ، فلما كان يوم الاثنين خامس وعشرين منه وصل قصاد