فقال : ما أفعل هذا بخلا ، لكنني منذ قتل عثمان رضياللهعنه ونهبت داره وما فيها لا آكل شيئا إلا أتحقق حله ، وأعلم أصله أو ما هذا معناه ، وكان القاضي محيي الدين المشار إليه من أصحاب والدي ـ رحمهالله ، سمع عليه الكثير ولازمه لما نزل دمشق في أواخر سنة خمس وخمسين ، وكان والدي يكرمه ويحبه ويثني عليه ، وكان أهلا لذلك ، وحضر عدة مصافات مع الفرنج وحصارات لبلادهم ، وله المواقف المشهورة والآثار المذكورة في ذلك ـ رحمهالله تعالى ـ حكى لي أخي ـ رحمهالله ـ عنه ما معناه ، قال : لما قصد الفرنج غزة ، جهز إليهم الملك الصالح نجم الدين عسكرا ، مقدمه ركن الدين بيبرس الصالحي ، وهو من أكابر الأمراء وأعيانهم ، ثم بلغه أنهم في كثرة لا يقاومهم العسكر المسير إليهم ، فكتب بطاقة إلى ركن الدين مقدم العسكر يأمره بالتأخر ، وأنه لا يلقاهم بمن معه إلى حين يصله مدد يقوى به عليهم ، وحضر الفرنج ، وركب الأمير ركن الدين ومن معه لملتقاهم ، ووقعت العين في العين ، وبقي بين العسكرين مقدار شوط فرس ، فحضرت البطاقة إلى ركن الدين في ذلك الوقت ، وأنا إلى جانبه فقال لي : تقف على هذه البطاقة ، وتعرفني مضمونها ، فلما وقفت عليها ، قلت في نفسي : متى عرفته اندفع ، وطمعوا فيه وفيمن معه ، والكذب في مثل هذا الموطن فيه مصالح ، فقلت له : مضمونها أنك تجتهد وتفعل ما تصل قدرتك إليه ، ولا تهولك كثرتهم ، وقلة من معك ، وأنتم بين الظفر والجنة ، وقلت ما أمكنني في هذا المعنى ، فقوي قلبه والتقاهم ، وكسرهم الكسرة المشهورة ، بحيث أتى على معظمهم قتلا وأسرا ، فقتلوا عن آخرهم ، وكانوا ألوفا كثيرة ، فلما انقضى المصاف ، هنأته بالنصر ، وقلت : لو كان في البطاقة أنك تأخرت عنهم بعد وقوع العين؟ قال : كنت أتأخر ، فأخرجت البطاقة ، وقرأتها عليه ، فوجم وقال : ما كان يؤمنك والعياذ بالله إن هم كسرونا أين كنت تروح من السلطان؟ قلت : والله والعياذ بالله لو كسرنا ما كان يرني السلطان ولا غيره ، يعني أنني كنت أقتل ، وهذا ركن الدين هو أستاذ الأمير عز الدين