يقاتل به بلا كلفة ، وما برح هو وعشيرته مرابطين ببلاد الساحل في وجه العدو سنين كثيرة ، وكان من كرماء الناس ، ونقل في الولايات الجليلة في عدة جهات من بلاد الشام ، ونيف على تسعين سنة ، ولم يزل محترما في الدول ، مكرما عند الملوك يعرفون مقداره ، وحضر المصاف الذي بين سنقر الأشقر ، وعسكر مصر ، فجرح في المصاف المذكور ووقع بين حوافر الخيل ، وبقي إلى أواخر صفر أو أوائل شهر ربيع الأول ، فتوفي بجبل الصالحية ، ظاهر دمشق ، ودفن بسفح قاسيون ، رحمهالله تعالى.
عمر بن موسى بن عمر بن محمد بن جعفر أبو حفص محيي الدين قاضي غزة وما جمع إليها ، مولده سنة ثمان وست مائة ، توفي بغزة ليلة الثلاثاء ثالث ذي الحجة ، ونقل إلى القدس ، ودفن به يوم الخميس خامسه بالمقبرة المعروفة بساهرة الشمالي بالقدس ، رحمهالله تعالى ، كان والده حاكما بغزة مدة سنين ، وتولاها محيي الدين ، وأضيف إليه عدة أماكن يستنيب فيها من جهته ، وهي : لد ، والرملة ، وقاقون ، وبيت جبرين وغيرها ، سمع وحدث ودرس بالمدرسة الصلاحية بالقدس ، وكان وافر الديانة ، كثير الكرم ، لا يكاد يمر بغزة أحد يعرفه إلا ويكارمه ، ويضيفه حسبما يمكن ، وهو مشهور بالشجاعة والإقدام ، وقوة النفس ، وله حرمة وافرة في الدولة وكلمة مسموعة ، وكان نزها عفيفا حسن السيرة ، وعنده تورع كثير ، فمن ذلك أني سافرت مع أخي ـ رحمهالله ـ إلى الديار المصرية واجتزنا بالقدس في شهر رمضان المعظم سنة تسع وخمسين وست مائة وهو بالقدس الشريف إذ ذاك ، فنزلنا عنده ، فلما كان وقت الفطر أحضر شيئا كثيرا من أنواع المأكول ، ولم يكن فيه لحم ، واعتذر عن ذلك بما معناه أن الشهرزورية لما مروا في هذه البلاد في السنة الخالية نهبوا أغنام الناس ومواشيهم ، ثم باعوا لأهل البلاد فاختلطت ، وتعذر تمييز الحلال من الحرام في ذلك ، فتركت اللحم لهذا السبب ، وهذا غاية الورع ، فقلت له : المولى قد قارب بفعله ما يروى عن أمير المؤمنين ، لم يعهد بي بخيلا ،