من توجه إلى عين تاب وتلك النواحي ، ومنهم من توجه إلى جهة الفرات والبيرة ، وجاسوا خلال الديار في تلك الجهات ، ثم رجعوا ، وكان الملك المنصور لما جعل ولده ولي عهده ، كتب له تقليد بخط محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر من إنشائه ، مضمونه
«الحمد لله الذي شرف سور الملك بعليه ، وحاطه منه بوصيه ، وعضد منصوره بولاية عهد مهديه ، وأسمى حاتم جوده بمكارم حازها بسبق عديه ، وأبهج خير الآباء من خير الأبناء بمن يسمو أبيه منه ، ومسارعة وليه بحمده على نعمه التي جمعت إلى الزهر الثمر ، وأضافت إلى نور الشمس هداية القمر ، وداركت بالبحر ، وباركت في النهر ، وأجملت المبتدأ وأحسنت الخبر ، وجمعت في لذاذة الأوقات وطيها بين رونق الأصائل ، ورقة البكر ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تلبس الألسنة منها كل ساعة جديدا ، وتتفيأ ظلا مديدا ، ويستقرب من الآمال ما يراه سوانا بعيدا ، ونصلي على سيدنا محمد الذي طهر الله به هذه الأمة من الأدناس ، وجعلها بهدايته زاكية الغراس ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من فهم حسن استخلافه بالأمر له بالصلاة بالناس ، ومنهم من بنى الله به قواعد الدين ، وجعله موطد الأساس.
ومنهم من جهز جيش العسرة ، وواسى بما له حين الضراء والباس ، ومنهم من قال عنه صلىاللهعليهوسلم : «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله» ، فحسن الالتماس بذلك الاقتباس ، وزاد في شرفه بأن طهر أهل بيته ، وأذهب عنهم الأرجاس ، صلاة لا تزال تتردد تردد الأنفاس ، ولا تبرح في الآناء حسنة الإيناس.
وبعد فإن خير من شرفت مراتب السلطنة بحلوله ، وفوقت ملابس التحكيم لقبوله ، ومن تزهى مطالع الملك بإشراقه ، وتبادر الممالك مذعنة لاستحقاقه ، ومن يزدهي به ملك منصوره ، نصره الله ، موطده وولي عهده