وفي يوم الجمعة حادي وعشرين منه وصلت طائفة عظيمة من عساكر التتار ، وأحرقوا الجامع والمدارس المعتبرة ودار السلطنة ودور الأمراء الكبار ، وأفسدوا فسادا كثيرا ، وكان أكثر من تخلف بها قد استتر في المغائر وغيرها ، وأقاموا بحلب يومين على هذه الصورة.
وفي يوم الأحد ثالث وعشرين منه رحلوا منها راجعين إلى بلادهم بعد أن تقدمتهم الغنائم التي كسبوها ، ونقلوا من الغلال شيئا كثيرا إلى أماكنهم ، وكان سبب رجوعهم إلى بلادهم لما بلغهم من اتفاق الطائفتين على دفعهم ، وحكي أن سبب خروجهم من حلب أن بعض من كان استتر بها يئس من الحياة ، فطلع منارة الجامع وكبر بأعلى صوته على التتر ، وقال : جاء النصر من عند الله ، وأشار بمنديل كان معه إلى ظاهر البلد ، وأوهم أن إشارته إلى عسكر المسلمين ، وجعل يقول في خلال ذلك : اقبضوهم من بين البيوت مثل النساء ، فتوهم التتر من ذلك وخرجوا من البلد على وجوههم ، وسلم الذي فعل ذلك ، ولما رجعوا عن حلب ظهر من كان مستترا بها ، ورجع من كان يجفل عنها ، وحصلت الطمأنينة للناس ، وفي هذه الأيام هرب من عند شمس الدين سنقر الأشقر جماعة من الأمراء ، ودخلوا في طاعة الملك المنصور ، وتوجهوا إلى خدمته.
وفي أواخر هذا الشهر خرج الملك المنصور بجميع العساكر لنصرة الإسلام ، ودفع العدو عن البلاد ، وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين منه قرىء على المنبر بجامع دمشق بعد صلاة الجمعة مثال سلطاني ورد على الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة بدمشق ، مضمونه : أن الملك المنصور جعل ولده علاء الدين عليا ولي عهده ، ولقبه الملك الصالح ، وخطب له على المنبر ، وعقيب الفراغ من قراءة هذا المثال وردت البشائر برجوع التتر من حلب ، وخلو البلاد منهم ، فاستبشر الناس بعزة ولي العهد ، ولما وصل الخبر برجوع التتر تفرقت العساكر في طلبهم ، فمنهم