وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من شهر رجب اجتمع الأمراء والأعيان بقلعة الجبل من الديار المصرية ، وخلعوا الملك العادل بدر الدين سلامش ابن الملك الظاهر من السلطنة ورتب عوضه أتابكه سيف الدين قلاوون الصالحي ، ونعت بالملك المنصور ، وحلفوا له بأسرهم ، ولم يكن لسلامش في مدة سلطنته غير الاسم ، وكان السبب في توليته أولا تسكين ثورة الظاهرية ، فإنهم كانوا معظم عسكر الديار المصرية ، وأيضا فكانت بعض القلاع في أيدي نواب الملك السعيد ، فأرادوا استنزالهم منها ، فلما تم معظم المقصود خلعوه واستقل الملك المنصور بالسلطنة ، ووصلت البرد إلى دمشق يوم الأحد سادس وعشرين منه ، ومعهم نسخة يمين لتحليف الأمراء والجند وأرباب الدولة ، وأعيان الرعايا ، فأحضروا إلى دار السعادة بدمشق ، وحلفوا ، وقيل إن الأمير شمس الدين سنقر الأشقر لم يحلف ، ولم يرضه ما جرى.
وفي يوم الجمعة ثاني شعبان خطب للملك سيف الدين قلاوون بجامع دمشق ، وجوامع الشام بأسرها ، خلا مواضع يسيرة جدا ، توقفوا ثم خطبوا بعد ذلك ، وكان الكتاب الوارد من الملك المنصور على الأمير شمس الدين سنقر الأشقر بخط المولى تاج الدين أحمد بن الأثير ـ رحمهالله ـ وفيه : «لا زالت أيامه عجابها ، تهتنى وترى من النصر ما كانت تتمنى ، ويتأمل آثارها ، فيملأها حسنا ، ويشاهد من أمائر الظفر ما يوسع العباد أمنا ، ويستزيد الحمد على ما وهب من الملك الذي أولى كلا منا منا ، المملوك يهدي من لطيف أنبائه ، ووظائف دعائه ، وما استقر من عوارف الله لديه ، وما جناه من النعم التي ملأت يديه ما يستروح به ، ويستفتح لسان الحمد بتقديمه ، ويزداد به مسرة نفسه ابتهاجا ، وتزدان به عقود السعود ، وإنما تزين انسلاك في العقود ازدواجها ، ويقوى به قوى العزائم ، وبمثله الأعداء في أوكارها ، فيكاد يتجرد ذيول الهزائم ، وتبعث الآمال على تمسكها بالنصر ، ويظهر منه المحاب التي لو قصدت الأقلام