العساكر محدقة بها فحصل بينهم مقاتلة يسيرة ، وكان الذين مع الملك السعيد جماعة قليلة بالنسبة إلى من في مقابلته ، فحمل الأمير علم الدين سنجر الحلبي ، وشق الأطلاب ، ودخل إلى قلعة الجبل بعد أن قتل من الفريقين نفر يسير.
فلما استقر بها ، ورفع علمه عليها انضاف جميع من بقي ظاهر القلعة ممن كان معه إليهم ، وأما الأمير شمس الدين سنقر الأشقر بقي في الطريق ولم يدخل معه إلى القلعة ، ولا انضاف إلى العسكر المباين له ، وأحاطت العساكر بالقلعة ، وضايقوها ، وقطعوا الماء الذي يطلع إليها في المرارات عنها ورجعوا إليها ، وجدوا في ذلك السعيد تخلى من كان يرجو نصره عنه ، وتخاذل من بقي معه من الخاصكية ، وأنه لا طاقة له بهم ، وكان المشار إليه في هذه الأمور والمخاطب إنما هو الأمير سيف الدين قلاوون ، فجرت المراسلات بأنهم ينصبوا في السلطنة أخاه بدر الدين سلامش ، ويعطون للملك السعيد وأخيه نجم الدين خضر الكرك ، والشوبك ، وأعمالها فسير الأمير علم الدين سنجر الحلبي ، والمولى تاج الدين أحمد ابن الأثير ـ رحمهماالله تعالى ـ إلى الأمير سيف الدين قلاوون ، وأعيان الأمراء ليستوثق منهم ، فحلفوا له على الوفاء بما التزموه ، ونزل من قلعة الجبل يوم الأحد سابع عشر الشهر المذكور إلى دار العدل التي على باب القلعة ، وكانت مركز الأمير سيف الدين قلاوون حال المضايقة للقلعة فلما نزل حضر أعيان الأمراء والقضاة والمفتيين وخلعوه من السلطنة ، ورتبوا مكانه أخاه لأبيه بدر الدين سلامش ونعتوه بالملك العادل ، وتقدير عمره يوم ذاك سبع سنين ، وجعلوا أتابكه الأمير سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي ، وهو حمو الملك السعيد ، وحلف الأمراء ، والعسكر له ، ولأتابكه بعده في اليمين ، وضربت السكة أحد الوجهين باسم العادل ، والآخر باسم أتابكه ، وذكر الأتابك في الخطبة ، ودعي له على المنابر ، واستقر الأمر على هذه