صحيح فأنتم كذبتم ، فقام الملك الظاهر ومن معه من عنده ، وقال : قوموا بنا لا نحترق بمجاورته وتحولوا إلى طرف الإيوان بعيدا منه ، فقال الملك الظاهر للجماعة : أي شيء رأيكم في أمره؟ فقال الأتابك : هذا مطلع على الأسرار ، وأسرار الدولة ، وبواطن أحوالها وما ينبغي إبقاؤه في الوجود ، فإنه لا يؤمن أن يصدر منه ما لا يمكن تلافيه ، ووافقه الحاضرون على ذلك ، وقالوا ببعض ما قد قيل عنه يباح دمه ، ففهم ما هم فيه ، فقال للملك الظاهر : اسمع ما أقول لك إذا ، أجلي قريب من أجلك ، وبيني وبينك مدة أيام يسيرة ، من مات منا لحقه صاحبه عن قريب ، فلما سمع الملك الظاهر ذلك وجم ، وقال للأمراء : ما ترون في هذا؟ فلم يمكن أحدا أن يقول شيئا ، فقال السلطان : هذا يحبس في مكان لا يسمع له فيه حديث فيكون مثل من قد قبر وهو حي. فقالوا الذي يراه مولانا السلطان ويختاره ، فحبسه في مكان مفرد بقلعة الجبل ، ولم يمكن أحدا من الدخول إليه إلا من يثق به السلطان غاية الوثوق ، ويدخل إليه بالأطعمة الفاخرة ، والأشربة ، والفواكه والملابس تغير عليه في كل وقت ، وكان حبسه في ثاني عشر شوال سنة إحدى وسبعين وست مائة ، وتوفي يوم الخميس سادس المحرم أو ليلة الجمعة سابعه ، وأخرج يوم الجمعة من سجنه بقلعة الجبل ميتا ، فسلم إلى أهله ، فحملوه إلى زاويته المعروفة به بخط جامع الظاهر بالحسينية ، فغسل بها ، وحمل إلى الجامع المذكور وصلى عليه بعد صلاة الجمعة ، وأعيد إلى زاويته ، ودفن بالتربة التي أنشأها بها ، وكان قد نيف على خمسين سنة ، وكان الملك الظاهر لما دخل دمشق بعد عوده من الروم قد كتب على البريد بالإفراج عنه ، فوصل البريد بعد موته ـ رحمهالله تعالى ـ وكان الملك الظاهر ـ رحمهالله تعالى ـ قد بنى له زاوية بالحسينية على الخليج محاذية لأرض الطبالة ، ووقف عليها أحكار الجبي في السنة منها ثلاثين ألف درهم نقرة ، وبنى له بالقدس زاوية ، وبجبل المزة ظاهر دمشق زاوية ، وبظاهر بعلبك زاوية ، وبحماة زاوية ، وبحمص