وكان يخبر الملك الظاهر بأمور قبل وقوعها فتقع على ما يخبر به ، ولما حاصر الملك الظاهر أرسوف وهي من أوائل فتوحاته سأله متى تؤخذ ، فعين له اليوم الذي تؤخذ فيه فوافق ، وكذلك في قيسارية وصفد ، ولما عاد الملك الظاهر ـ رحمهالله تعالى ـ من دمشق إلى جهة الكرك سنة خمس وستين استشاره في قصده ، فأشار عليه أن لا يقصده ، وأن يتوجه إلى الديار المصرية ، فلم يوافق قوله غرضه ، فخالفه وقصده ، فلما كان ببركة زيزاء تقنطر فانكسرت فخذه وأقام مكانه أياما كثيرة ، ثم حمل في محفة إلى غزة ثم أتى الديار المصرية على أعناق الرجال ، ولما قصد الملك الظاهر منازلة حصن الأكراد ومحاصرته اجتاز الشيخ خضر ببعلبك ونزل بالزاوية التي عمرت له بظاهرها ، وخرج نواب السلطنة وبعض أهل البلد إلى خدمته ، وكنت فيمن خرج ، فسمعت كمال الدين ابراهيم ابن شيث ـ رحمهالله تعالى ـ يسأله عن أخذ حصن الأكراد ، فقال : ما معناه : يأخذه في مدة أربعين يوما.
وقال عز الدين محمد بن شداد : سمعت الأمير سيف الدين قشتمر العجمي ـ رحمهالله تعالى ـ يقول : إن الملك الظاهر لما تغير عليه وأحضر من أصحابه من دمشق من يحاققه على أمور نقلت إليه عنه ، ويقابله عليها ، قعد الملك الظاهر في داره بقلعة الجبل وعنده من أكابر الأمراء : الأمير فارس الدين الأتابك ، والأمير سيف الدين قلاوون ، والأمير بدر الدين بيسري ، وسير الأمير سيف الدين قشتمر العجمي لإحضاره ، فلما طلبه إلى الحضور إلى القلعة أنكر ذلك ، لأنه لم يكن له به عادة ، فعرف بشيء مما هم فيه ، فقام وحضر معه ، فلما دخل لم يجد ما يعهده ، فقعد عندهم منتبذا منهم ، فأحضر السلطان الذين أحضرهم من أصحابه من دمشق ، فشرعوا ونسبوه إلى أمور عظيمة ، وقبائح لا تكاد تصدر من مسلم : فقال : ما أعرف ما يقولونه ومع هذا ، فإني ما قلت لكم : إني رجل صالح ، وأنتم قلتم هذا ، فإن كان الذي يقولونه هؤلاء