وأما الطوارىء التي كانت تطرأ عليه فلا يمكن حصرها ، وكذلك ما كان عليه من الجامكيات ، والجرايات لأرباب الخدم ـ رحمهالله تعالى.
بيليك بن عبد الله الأمير بدر الدين الخزندار الظاهري نائب السلطنة بالممالك كلها ومقدم جيوشها ، كان أميرا عظيما ، جليل المقدار ، عالي الهمة ، واسع الصدر ، كثير البر والمعروف والصدقة ، لين الكلمة ، حسن المعاملة للناس ، محبا للفقراء والصلحاء والعلماء ، حسن الظن بهم كثير الإحسان إليهم ، يتفقد أرباب البيوت ويسد خلتهم ، وعنده ديانة كثيرة وفهم وإدراك وتيقظ وذكاء ، سمع الحديث النبوي وطالع التواريخ وأيام الناس ، وكان يكتب خطا حسنا ، وأوقف على الزاوية بالجامع الأزهر بالقاهرة وقفا جيدا على من يذكر بها الدرس ، وعلى من يشتغل بالعلم بها على مذهب الإمام الشافعي ـ رحمهالله ـ وله أوقاف على جهات بر ، وكان له الإقطاعات العظيمة بالديار المصرية وبالشام ، وله قلعة الصبيبة وبانياس ، وأعمالها وبيت جن والشعراء وغير ذلك ، ولما مات الملك الظاهر ساس الأمور أحسن سياسة ، وسار بالجيوش إلى الديار المصرية على أجمل نظام بحيث لم يظهر لموت السلطان أثر لوجوده ، فلما وصل إلى الديار المصرية من الشام تمرض عقيب وصوله ولم يطل مرضه ، وتوفي إلى رحمة الله تعالى ليلة الأحد سادس ربيع الأول بقلعة الجبل ، ودفن يوم الأحد بتربته التي أنشأها بالقرافة الصغرى ، ووجد الناس عليه وجدا شديدا ، وحزنوا لفقده وشمل مصابه الخاص والعام ، وكانت له جنازة مشهودة ، وأقيم عليه النوح بالقاهرة ليلا بالشموع في القاهرة والقلعة ثلاث ليال متوالية ، والخواتين ونساء الأمراء يدرن في شوارع القاهرة ليلا بالشموع والنوائح بالملاهي ، وصدع موته القلوب ، وأبكى العيون ، وقيل : إنه مات مسموما وهو الظاهر ، ومنذ مات اضطربت أحوال الملك السعيد ، وظهرت أمارات الإدبار على الدولة الظاهرية وأخذت في النقص والتلاشي ، وإذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه ، وكان عمره خمسا وأربعين سنة أو ما حولها ، وخلف تركة