دواء ، ولم يكن عن رأى الطبيب ، فلم ينجع وتضاعف ألمه ، فأحضر الأطباء ، فأنكروا استعماله الدواء ، وأجمعوا على استعمال دواء مسهل ، فسقوه فلم ينجع ، فحركوه بدواء آخر كان سبب الإفراط في الإسهال ، ودفع دما محتقنا ، وضعفت قواه ، فتخيل خواصه أن كبده تقطع ، وأن ذلك عن سم سقيه ، وعولج بالجوهر ، وذلك يوم عاشره ، ثم جهده المرض إلى أن قضى نحبه يوم الخميس بعد صلاة الظهر الثامن والعشرين من المحرم ، فاتفق رأي الأمراء على إخفائه وحمله إلى القلعة لئلا يشعر العامة بوفاته ، ومنعوا من هو داخل من المماليك من الخروج ، ومن هو خارج من الدخول ، فلما كان آخر الليل حمله من كبراء الأمراء سيف الدين قلاوون الألفي ، وشمس الدين سنقر الأشقر ، وبدر الدين بيسري ، وبدر الدين الخزندار ، وعز الدين الأفرم ، وعز الدين الحموي ، وشمس الدين سنقر الألفي المظفري ، وعلم الدين سنجر الحموي ، وأبو خرص ، وأكابر خواصه ، وتولى غسله وتحنيطه وتصبيره وتلقينه مهتاره الشجاع عنبر ، والفقيه كمال الدين الاسكندري المعروف بابن المنبجي ، والأمير عز الدين الأفرم ، ثم جعل في تابوت ، وغلق في بيت من بيوت البحرية بقلعة دمشق إلى أن حصل الاتفاق على موضع دفنه ، ثم كتب الأمير بدر الدين الخزندار إلى ولده الملك السعيد مطالعة بيده ، وسيرها على يد بدر الدين بكتوت الجوكنداري الحموي ، وعلاء الدين أيدغمش الحكيمي الجاشنكير ، فلما وصلا ، وأوصلا المطالعة ، خلع عليهما وأعطى كل واحد منهما خمسين ألف درهم ، على أن ذلك بشارة بعود السلطان إلى الديار المصرية.
ولما كان يوم السبت ركب الأمراء إلى سوق الخيل بدمشق على عادتهم ولم يظهروا شيئا من زي الحزن ، وكان أوصى أن يدفن على الطريق السابلة قريبا من داريا ، وأن يبنى عليه هناك ، فرأى ولده الملك السعيد أن يدفنه داخل السور ، فابتاع دار العقيقي بثمانية وأربعين ألف